قَالَ ابْن شَدَّاد وَكَانَت وَفَاة نور الدّين رَحمَه الله تَعَالَى بِسَبَب خوانيق اعترته عجز الْأَطِبَّاء عَن علاجها وَلَقَد حكى لي صَلَاح الدّين قَالَ كَانَ يبلغنَا عَن نور الدّين أَنه رُبمَا قصدنا بالديار المصرية وَكَانَت جمَاعَة أَصْحَابنَا يشيرون بِأَن نكاشف وَنُخَالِف ونشق عَصَاهُ ونلقى عسكره بمصاف يردهُ إِذا تحقق قَصده قَالَ وَكنت وحدي أخالفهم وَأَقُول لَا يجوز أَن يُقَال شَيْء من ذَلِك وَلم يزل النزاع بَيْننَا حَتَّى وصل الْخَبَر بوفاته رَحمَه الله تَعَالَى وَرَضي عَنهُ
قَالَ ابْن الْأَثِير وَكَانَ نور الدّين قد شرع بتجهيز الْمسير إِلَى مصر لأخذها من صَلَاح الدّين لِأَنَّهُ رأى مِنْهُ فتورا عَن غَزْو الفرنج من ناحيته فَأرْسل إِلَى الْموصل وديار الجزيرة وديار بكر يطْلب العساكر ليتركها بِالشَّام لمَنعه من الفرنج ليسير هُوَ بعساكره إِلَى مصر وَكَانَ الْمَانِع لصلاح الدّين من الْغَزْو الْخَوْف من نور الدّين فَإِنَّهُ كَانَ يعْتَقد أَن نور الدّين مَتى زَالَ عَن طَرِيقه الفرنج أَخذ الْبِلَاد مِنْهُ فَكَانَ يحتمي بهم عَلَيْهِ وَلَا يُؤثر استئصالهم وَكَانَ نور الدّين لَا يرى إِلَّا الجدّ فِي غزوهم بِجهْدِهِ وطاقته فَلَمَّا رأى إخلال صَلَاح الدّين بالغزو وَعلم غَرَضه فتجهز للمسير إِلَيْهِ فَأَتَاهُ أَمر الله الَّذِي لَا يرد
قلت وَلَو علم نور الدّين مَاذَا ذخر الله تَعَالَى لِلْإِسْلَامِ من الْفتُوح الجليلة على يَدي صَلَاح الدّين من بعده لقرت عينه فَإِنَّهُ بنى على مَا أسسه