للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحالّ والعاقد لِلْأَمْرِ هَذِه الْكتب قد عاث فِيهَا العث وتساوى سمينها والغث وَلَا غنى عَن تهويتها ونفضها وإخراجها من بيُوت الخزانة إِلَى أرْضهَا وَهُوَ تركي لاخبرة لَهُ بالكتب وَلَا دربة لَهُ بأسفار الْأَدَب وَكَانَ مَقْصُود دلالي الْكتب أَن يوكسوها ويخرموها ويعكسوها فأخرجت وَهِي أَكثر من مئة ألف من أماكنها وغُربت من مساكنها وخرّبت أوكارها وأذهبت أنوارها وشتت شملها وبتُ حبلها وَاخْتَلَطَ أدبيها بنجوميها وشرعيُّها بمنطقيها وطبيُّها بهندسيِّها وتواريخها بتفاسيرها ومجاهيلها بمشاهيرها

وَكَانَ فِيهَا من الْكتب الْكِبَار وتواريخ الْأَمْصَار ومصنفات الْأَخْبَار مَا يشْتَمل كل كتاب على خمسين أَو سِتِّينَ جُزْءا مجلدا إِذا فقد مِنْهَا جُزْء لَا يخلف أبدا فاختلطت واختبطت فَكَانَ الدَّلال يخرج عشرَة عشرَة من كل فن كتبا مبترة فتسام بالدون وتباع بالهُون والدلال يعرف كلّ شدَّة وَمَا فِيهَا من عدَّة وَيعلم أَن عِنْده من أجناسها وأنواعها وَقد شَارك غَيره فِي ابتياعها حَتَّى إِذا لفق كتابا قد تقوم عَلَيْهِ بِعشْرَة بَاعه بعد ذَلِك لنَفسِهِ بمئة

قَالَ فَلَمَّا رَأَيْت الْأَمر حضرت الْقصر واشتريت كَمَا أشتروا ومريت الْأَطِبَّاء كَمَا مروا واستكثرت من الْمَتَاع الْمُبْتَاع وحويت نفائس الْأَنْوَاع وَلما عرف السُّلْطَان مَا ابتعته وَكَانَ بمئين أنعم عليَّ بهَا وَأَبْرَأ ذمَّتى من ذهبها ثمَّ وهب لي أَيْضا من خزانَة الْقصر مَا عينت عَلَيْهِ من كتبهَا

وَدخلت عَلَيْهِ يَوْمًا وَبَين يَدَيْهِ مجلدات كَثِيرَة انتقيت لَهُ من الْقصر وَهُوَ ينظر فِي بَعْضهَا وَبسط يَدي لقبضها وَقَالَ كنت طلبت كتبا عينتها فَهَل

<<  <  ج: ص:  >  >>