للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يصف لَهُ مَا لَقِي فِي طَرِيقه إِلَى مصر وركوب الْبَحْر وَكَانَت جماله ذهبت بِمَكَّة فِي خَامِس عشر ذِي الْحجَّة فَقَالَ خرجنَا من مَكَّة شرفها الله يَوْم الْخَامِس وَالْعِشْرين من ذِي الْحجَّة وَفِي هَذِه الْأَيَّام زَاد تبسط المفسدين وإسراف المسرفين وَظهر من هوان أَمِير الْحَاج الْعِرَاقِيّ وَمن ضعف نَفسه وانخفاض جنَاحه مَا أطمع الْمُفْسد وأخاف المصلح

ووصلنا إِلَى جدة يَوْم الْأَحَد السَّابِع وَالْعِشْرين من ذِي الْحجَّة وركبنا الْبَحْر يَوْم الثُّلَاثَاء التَّاسِع وَالْعِشْرين مِنْهُ وبتنا فِيهِ لَيْلَتي الْأَرْبَعَاء وَالْخَمِيس ورمتنا الرّيح إِلَى جَزِيرَة بِالْقربِ من بِلَاد الْيمن تسمى دبادب

وَكَانَت إِحْدَى الليلتين فِي الْبَحْر من ليَالِي الْبلَاء وَبِاللَّهِ أقسم لقد شَاب بعض رُؤُوس أَصْحَابنَا فِي تِلْكَ اللَّيْلَة وَأَيِسُوا من الْأَنْفس وتمنوا معاجلة الْأَمر وتقصير الْعَذَاب وظنوا أَنهم أحيط بهم وعاتبوا أنفسهم ثمَّ احْتَجُّوا عَلَيْهَا بالأقدار الَّتِي لَا حِيلَة فِيهَا

وصبرنا إِلَى أَن فرج الله سُبْحَانَهُ ونزلنا الْبَريَّة بِحَيْثُ لَا مَاء يشرب وَلَا جمل يركب وَنفذ إِلَى البجاة النازلين على سَاحل الْبَحْر فأحضروا جمالا ضَعِيفَة أجرتهَا أَكثر من ثمنهَا وَثمن مَا تحمله فَرَكبْنَا ووصلنا إِلَى عيذاب بعد عشرَة أَيَّام وَقد هلكنا ضعفا وتعبا وجوعا وعطشا لِأَن الْخلق كَانُوا كثيرا والزاد يَسِيرا

وركبنا الْبَريَّة من عيذاب إِلَى أسوان فَكَانَت أشق من كل طَرِيق سلكناها وَمن كل مَسَافَة قَطعْنَاهَا لأَنا وردنا المَاء فِي إِحْدَى عشرَة لَيْلَة مرَّتَيْنِ وَكَانَت الهمة قَاصِرَة فِي المزاد وَكَانَت الْبلوى عَظِيمَة فِي الْعَطش

فَأَما الحزون والوعر فَهِيَ تزيد على مَا فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>