باقتحامهم النار كيف لا يكون في وسعهم، وهو إنما يأمرهم بذلك لمصلحتهم ومنفعتهم؟
الثاني: أنهم لو وطنوا أنفسهم على اتباع طاعته ومرضاته لكانت عين نعيمهم، ولم تضرهم شيئاً.
الوجه الرابع عشر: أَنَّ أمرهم باقتحام النار، المفضية بهم إلى النجاة منها، بمنزلة الكي الذي يحسم الداء، وبمنزلة تناول الداء الكريه الذي يعقب العافية، وليس من باب العقوبة في شيء، فإنَّ الله سبحانه اقتضت حكمته وحمده، وغناه ورحمته، ألا يعذب من لا ذنب له، بل يتعالى ويتقدس عن ذلك، كما يتعالى عما يناقض صفات كماله، فالأمر باقتحام النار للخلاص منها هو عين الحكمة والرحمة والمصلحة، حتى لو أنهم بادروا إليها طوعاً واختياراً ورضى، حيث علموا أَنَّ مرضاته في ذلك قبل أن يأمرهم به لكان ذلك عين صلاحهم، وسبب نجاتهم، فلم يفعلوا ذلك ولم يمتثلوا أمره، وقد تيقنوا وعلموا أَنَّ فيه رضاه وصلاحهم، بل هان عليهم أمره وعزت عليهم أنفسهم أن يبذلوا له منها هذا القدر الذي أمرهم به، رحمة وإحساناً، لا عقوبة.
الوجه الخامس عشر: أَنَّ أمرهم باقتحام النار كأمر المؤمنين بركوب الصراط، الذي هو أدق من الشعرة، وأحد من السيف، ولا ريب أَنَّ ركوبه من أشق الأمور وأصعبها، حتى إنَّ الرسل لتشفق منه، وكل منهم يسأل الله السلامة، فركوب هذا الجسر الذي هو في غاية المشقة كاقتحام النار، وكلاهما طريق إلى النجاة.
الوجه السادس عشر: قول ابن عبد البر: "ولا يخلو من مات في الفترة من أن يكون كافراً أو غير كافر، فإنْ كان كافراً فإنَّ الله حرم الجنة على الكافرين، وإنْ كان معذوراً بأنه لم يأته رسول فكيف يُؤمر باقتحام النار؟ " جوابه من وجوه:
أحدها: أنْ يقال هؤلاء لا يحكم لهم بكفر ولا إيمان؛ فإنَّ الكفر هو جحود ما جاء به الرسول، فشرط تحققه بلوغ الرسالة، والإيمان هو تصديق الرسول فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، وهذا أيضاً مشروط ببلوغ الرسالة، ولا