يلزم من انتفاء أحدهما وجود الآخر إلا بعد قيام سببه، فلما لم يكن هؤلاء في الدنيا كفاراً ولا مؤمنين، كان لهم في الآخرة حكم آخر غير حكم الفريقين.
الوجه الثاني: سلمنا أنهم كفار، لكن انتفاء العذاب عنهم لانتفاء شرطه، وهو قيام الحجة عليهم، فإنَّ الله تعالى لا يعذب إلا من قامت عليه حجته.
الوجه الثالث: قوله: "وإنْ كان معذوراً فكيف يؤمر أن يقتحم النار، وهي أشد العذاب؟ "، فالذي قال هذا يُوهِمُ أَنَّ هذا الأمر عقوبة لهم، وهذا غلط، وإنما هو تكليف واختبار، فإن بادروا إلى الامتثال لم تضرهم النار شيئاً". انتهى كلام ابن القيم.
أجوبة أصحاب المسلك الأول والثالث - وهم القائلون بنجاة أهل الفترة، والقائلون بامتحانهم في الآخرة - عن الأحاديث الواردة في المسألة، والتي تُفيد بظاهرها تعذيب أهل الفترة:
اختلف أصحاب هذين المسلكين في الجواب عن الأحاديث الواردة في المسألة، وخاصة الأحاديث الواردة في أبوي النبي - صلى الله عليه وسلم -، وسأذكر أولاً أجوبتهم عن الأحاديث بعامة، ثم أذكر مذاهب العلماء في مصير والدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، يلي ذلك أجوبة أصحاب هذين المسلكين عن الأحاديث الواردة في تعذيب أبوي النبي - صلى الله عليه وسلم -:
أولاً: أجوبتهم عن أحاديث تعذيب أهل الفترة بعامة:
أما القائلون بامتحانهم في الآخرة فلا إشكال عندهم في تلك الأحاديث؛ لأنها محمولة على أَنَّ هؤلاء ممن لا يجيب يوم القيامة؛ فلا منافاة بينها وبين الآيات. (١)
وأجاب بعضهم باحتمال أنْ يكون هؤلاء ـ الذين أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنهم من أهل النار، ومنهم أبوي النبي - صلى الله عليه وسلم - ـ بلغتهم دعوة نبي من الأنبياء، قبل بعثة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، فلم يؤمنوا بها، وإنما رضوا بدين قريش، من الشرك وعبادة