للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المذهب الثاني: التوقف فيهما، فلا يُحكم لهما بجنة ولا نار.

قال تاج الدين الفاكهاني (١): "الله أعلم بحال أبويه". (٢)

وقال السخاوي ـ بعد أنْ أورد حديث إحياء والديّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ـ: "والذي أراه الكَفَّ عن التعرض لهذا إثباتاً ونفياً". (٣)

وحكى هذا المذهب شمس الحق العظيم آبادي ومال إليه واستحسنه. (٤) وإليه نحا الدكتور يوسف القرضاوي؛ فإنه أورد حديث "إن أبي وأباك في النار" وقال: أتوقف في الحديث حتى يظهر لي شيء يشفي الصدر. (٥)

المذهب الثالث: أنهما في الجنة.

ولأصحاب هذا المذهب في سبب نجاتهما ثلاثة مسالك:

الأول: أنهما لم تبلغهما الدعوة، ولا عذاب على من لم تبلغه الدعوة.

أشار لهذا المسلك: السيوطي، والسندي. (٦) واختاره من المعاصرين: محمد الغزالي (٧).

المسلك الثاني: أنهما كانا على التوحيد، ملة إبراهيم، عليه السلام.

وهذا المسلك قال به الطاهر ابن عاشور، ومحمد الجزيري. (٨)

قال الطاهر ابن عاشور عند تفسيره لقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (١٢٤)) [البقرة: ١٢٤] قال: "ولعل ممن تحقق فيه رجاء إبراهيم عمود نسب النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كانوا يكتمون دينهم تُقْيَةً من قومهم". اهـ (٩)


(١) هو: عمر بن علي بن سالم بن صدقة اللخمي الإسكندري، تاج الدين الفاكهاني: عالم بالنحو، من أهل الإسكندرية، زار دمشق سنة (٧٣١ هـ) ‍واجتمع به ابن كثير (صاحب البداية والنهاية) وقال: سمعنا عليه ومعه. وحج ورجع إلى الإسكندرية. وصُلِّيَ عليه بدمشق لما وصل خبر وفاته. له كتب، منها: (الإشارة) في النحو، و (المنهج المبين في شرح الأربعين النووية)، و (رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام)، وغيرها. توفي سنة (٧٣٤هـ). انظر: الأعلام، للزركلي (٥/ ٥٦).
(٢) نقله عنه السيوطي في مسالك الحنفا (٢/ ٤٠٢).
(٣) المقاصد الحسنة، للسخاوي، ص (٤٥).
(٤) عون المعبود، للآبادي (١٢/ ٣٢٤).
(٥) كيف نتعامل مع السنة النبوية، ص (٩٧).
(٦) انظر على الترتيب: شرح سنن ابن ماجة، للسيوطي (١/ ١١٣)، وحاشية السندي على سنن النسائي (٤/ ٣٩٥).
(٧) دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين، ص (٢٨).
(٨) الفقه على المذاهب الأربعة، للجزيري (٤/ ١٧٦).
(٩) التحرير والتنوير، لابن عاشور (٢٥/ ١٩٥).

<<  <   >  >>