للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: وأما الأحاديث التي ذُكِرَت؛ فحديث: "ليت شعري ما فعل أبواي؛ فنزلت الآية" لم يُخرَّج في شيء من الكتب المعتمدة، وإنما ذُكِرَ في بعض التفاسير بسند منقطع لا يحُتج به، ولا يُعَوُّل عليه.

وأما حديث أنَّ جبريل ضرب في صدره وقال: لا تستغفر لمن مات مشركاً؛ فإنَّ البزار أخرجه بسند فيه من لا يُعرف. وأما نزول الآية في ذلك فضعيف أيضاً، والثابت في الصحيحين أنها نزلت في أبي طالب (١).

وأما حديث: "أمي مع أمكما"، فأخرجه الحاكم في مستدركه وقال: صحيح. وشأن المستدرك في تساهله في التصحيح معروف، وقد تقرر في علوم الحديث أنه لا يُقبل تَفَرُّدُه بالتصحيح، ثم إنَّ الذهبي في مختصر المستدرك ـ لما أورد هذا الحديث ونقل قول الحاكم صحيح ـ قال عقبه: "قلت: لا والله، فعثمان بن عمير ضعفه الدارقطني". فبيَّن الذهبي ضعف الحديث، وحلف عليه يميناً شرعياً.

قال السيوطي: فإنْ قلتَ: بقيت عقدة واحدة، وهي ما رواه مسلم عن أنس أَنَّ رجلاً قال: "يا رسول الله، أين أبي؟ قال: في النار. فلما قفى دعاه فقال: إنَّ أبي وأباك في النار" (٢)، وحديث مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: "أنه - صلى الله عليه وسلم - استأذن في الاستغفار لأمه فلم يُؤذن له" (٣)، فاحلل هذه العقدة. قلت: على الرأس والعين:


(١) عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا عَمِّ، قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ، أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ وَيُعِيدُ لَهُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ: هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ، وَأَبَى أَنْ يَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا وَاللَّهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) [التوبة: ١١٣]، وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٥٦)) [القصص: ٥٦] ".
أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب المناقب، حديث (٣٨٨٤)، ومسلم في صحيحه، في كتاب الإيمان، حديث (٢٤)، واللفظ لمسلم.
(٢) سبق تخريجه في أول المسألة.
(٣) سبق تخريجه في أول المسألة.

<<  <   >  >>