للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والجواب: أَنَّ هذه اللفظة وهي قوله: "إنَّ أبي وأباك في النار"، لم يتفق على ذكرها الرواة، وإنما ذكرها حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، وهي الطريق التي رواه مسلم منها، وقد خالفه معمر، عن ثابت (١)، فلم يذكر: "إنَّ أبي وأباك في النار"، ولكن قال له: "إذا مررت بقبر كافر فبشره بالنار" (٢). وهذا اللفظ لا دلالة فيه على والده صلى الله عليه وسلم بأمر ألبتة، وهو أثبت من حيث الرواية؛ فإنَّ معمراً أثبت من حماد، فإنَّ حماداً تُكُلِّمَ في حفظه، ووقع في أحاديثه مناكير، ذكروا أَنَّ ربيبه دَسَّها في كتبه، وكان حماد لا يحفظ، فحدَّث بها فوهِم فيها، ومن ثَمَّ لم يخرج له البخاري شيئاً، ولا خَرَّج له مسلم في الأصول إلا من روايته عن ثابت، قال الحاكم في "المدخل": "ما خَرَّج مسلم لحماد في الأصول إلا من حديثه عن ثابت، وقد خَرَّج له في الشواهد عن طائفة". (٣)

قال السيوطي: وأما معمر فلم يُتَكَلَّم في حفظه، ولا استُنْكِرَ شيءٌ من حديثه، واتفق على التخريج له الشيخان، فكان لفظه أثبت، ثم وجدنا الحديث ورد من حديث سعد بن أبي وقاص، بمثل لفظ رواية معمر، عن ثابت، عن أنس؛ فأخرج البزار، والطبراني، والبيهقي، من طريق إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن عامر بن سعد، عن أبيه: "أَنَّ أعرابياً قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أين أبي؟ قال: في النار. قال: فأين أبوك؟ قال: حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار". (٤) وهذا إسناد على شرط الشيخين، فتعين الاعتماد على هذا اللفظ وتقديمه على غيره.

وأخرج ابن ماجة، من طريق إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه قال: جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يا رسول الله، إنَّ أبي كان يصل الرحم، وكان؛ فأين هو؟ قال: في النار. قال: فكأنه وجد من ذلك فقال: يا رسول الله، فأين أبوك؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: حيث مررت بقبر مشرك فبشره بالنار. قال: فأسلم الأعرابي بَعْدُ وقال: لقد كلفني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعباً، ما مررت بقبر كافر إلا بشرته بالنار" (٥).


(١) لم أقف على رواية معمر عن ثابت.
(٢) تقدم تخريجه في أول المسألة.
(٣) لم أجد هذا النص في المدخل للحاكم.
(٤) تقدم في أول المسألة.
(٥) تقدم في أول المسألة.

<<  <   >  >>