للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال أبو العباس القرطبي: "إنما لم يقل مالك بحديث ابن عباس؛ لأمور: أحدها: أَنَّه لم يَجِدْ عليه عمل أهل المدينة. الثاني: أَنَّه حديثٌ اختُلِفَ واضطُرِبَ في إسناده. الثالث: أَنَّه رواه البزار وقال في آخره: "لمن شاء" (١). وهذا يرفع الوجوب الذي قالوا به. الرابع: أَنَّه مُعارضٌ بقوله تعالى: (وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) [الأنعام: ١٦٤]، ولقوله تعالى: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩)) [النجم: ٣٩]. الخامس: أَنَّه مٌعارَضٌ بما خرَّجه النسائي، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أَنَّه قال: "لا يُصلي أحد عن أحدٍ، ولا يصوم أحدٌ عن أحدٍ، ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مداً من حنطة" (٢). السادس: أَنَّه مُعارِضٌ للقياس الجلي، وهو أَنَّه عبادة بدنية لا مدخل للمال فيها، فلا تُفعل عمن وجب عليه، كالصلاة، ولا يُنقضُ هذا بالحج؛ لأَنَّ للمال فيه مدخلاً". اهـ (٣)

وأما الحنفية فأعلوا الحديث بما رُوي عن عائشة أَنَّها سُئلت عن امرأة ماتت وعليها صوم، فقالت: "يطعم عنها" (٤)،

وعن عائشة قالت: "لا تصوموا


= شرح الموطأ، للباجي (٢/ ٦٣)، وإكمال المعلم بفوائد مسلم، للقاضي عياض (٤/ ١٠٤ - ١٠٧)، والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي (٣/ ٢٠٨)، وتفسير القرطبي (١٧/ ٧٥)، والموافقات، للشاطبي (٢/ ٣٩٧ - ٤٠٠).
(١) ضعف هذه الزيادة الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (٢/ ٢٠٩)، وفي تغليق التعليق (٣/ ١٩١)؛ لأنها من طريق ابن لهيعة.
(٢) أخرجه - موقوفاً على ابن عباس -: النسائي في السنن الكبرى (٢/ ١٧٥)، والطحاوي في مشكل الآثار (٣/ ١٧٦)، وصحح إسناده الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (٢/ ٢٠٩)، ولم أقف عليه مرفوعاً، وسيأتي رد ابن القيم على دعوى رفعه.
(٣) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي (٣/ ٢٠٩).
(٤) أخرج الطحاوي في مشكل الآثار (٣/ ١٧٨)، من طريق عبيدة بن حميد، عن عبد العزيز بن رفيع، عن عمرة ابنة عبد الرحمن قالت: سألت عائشة - رضي الله عنها - فقلت لها: إنَّ أمي توفيت وعليها رمضان، أيصلح أن أقضي عنها؟ فقالت: "لا، ولكن تصدقي عنها مكان كل يوم على مسكين، خير من صيامك عنها".
وأخرجه الطحاوي في الموضع السابق (٣/ ١٧٩)، من طريق جرير بن عبد الحميد، عن عبد العزيز بن رفيع، عن عمرة قالت: توفيت أمي وعليها من رمضان صوم، فسألت عائشة عن ذلك، فقالت: "اقضيه عنها". ثم قالت: "بل تصدقي مكان كل يوم على مسكين، نصف صاع".
وأخرجه ابن حزم في المحلى (٤/ ٤٢٢)، من طريق جرير بن =

<<  <   >  >>