للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وللنحاس، وأبي العباس القرطبي، رأي آخر في الجمع:

حيث ذهبا إلى أنَّ أول الآية وهو قوله تعالى: (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ) يعود على مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -، لحديث أبي سعيد، وأما آخر الآية، وهو قوله: (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) فهو في مسجد قباء، كما يدل عليه سبب النزول.

غير أنَّ النحاس لم يجزم بذلك حيث جوَّز أنْ تكون الآية كلها في المسجد النبوي.

قال النحاس: «الهاء في قوله: (أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ) يعود على مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -، والهاء في قوله: (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) يعود على مسجد قباء، ويجوز أنْ تكون تعود على مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -». اهـ (١)

وقال أبو العباس القرطبي: «ويلزم من تعيين النبي - صلى الله عليه وسلم - مسجده أنْ يكون هو المراد بقوله تعالى: (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ) [التوبة: ١٠٨]، وأنْ يكون الضمير في قوله: (فِيهِ رِجَالٌ) عائد على المسجد الذي أسس على التقوى؛ لأنه لم يتقدمه ظاهر غيره يعود عليه، وليس الأمر كذلك، بدليل ما رواه أبو داود من طريق صحيحة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَهْلِ قُبَاءَ: (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) قَالَ: كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيهِمْ». (٢) فعلى هذا يكون الضمير في: (فِيهِ رِجَالٌ) غير عائد على المسجد المذكور قبله، بل على مسجد قباء، الذي دلت عليه الحال والمشاهدة عندهم، وأما عندنا فلولا هذا الحديث لحملناه على الأول. وعلى هذا يتعين على القارئ أنْ يقف على «فيه» من قوله: (أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ) ويبتدئ: (فِيهِ رِجَالٌ) ليحصل به التنبيه على ما ذكرناه، والله تعالى أعلم». اهـ (٣)


(١) معاني القرآن (٣/ ٢٥٥).
(٢) سبق تخريجه في أول المسألة.
(٣) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (٣/ ٥٠٩ - ٥١٠).

<<  <   >  >>