للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلا أنَّ الحافظ ابن حجر لم يرتضِ دعوى وقف الحديث على أنس - رضي الله عنه -، حيث قال - في رده على الخطابي -: «وما نفاه - من أنَّ أنساً لم يُسند هذه القصة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تأثير له؛ فأدنى أمره فيها أنْ يكون مرسل صحابي، فإما أنْ يكون تلقاها عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو عن صحابي تلقاها عنه، ومثل ما اشتملت عليه لا يُقال بالرأي، فيكون لها حكم الرفع، ولو كان لِمَا ذَكَرَهُ تأثير لم يُحمل حديث أحد روى مثل ذلك على الرفع أصلاً، وهو خلاف عمل المحدثين قاطبة، فالتعليل بذلك مردود». اهـ (١)

الجواب الثالث: أنَّ الدنو والتدلي المذكورين في الآية هما غير الدنو والتدلي المذكورين في حديث أنس - رضي الله عنه -، فإنَّ الذي في الآية هو دنو جبريل عليه السلام وتدليه، كما قالت عائشة وابن مسعود، رضي الله عنهما، وأما الدنو والتدلي اللذين في حديث أنس فذلك صريح في أنَّه دنو الرب تبارك وتعالى وتدليه، ولا تَعَرّضَ في سورة النجم لذلك؛ بل فيها أنه رآه نزلة أخرى، عند سدرة المنتهى، وهذا هو جبريل، رآه محمد - صلى الله عليه وسلم - على صورته مرتين: مرة في الأرض، ومرة عند سدرة المنتهى. (٢)

ذكر هذا الجواب: ابن القيم (٣)، والحافظ ابن كثير (٤)، وابن أبي العز الحنفي (٥)، والقاسمي (٦).

والظاهر من كلام هؤلاء الأئمة قبول رواية شريك، إلا أنَّ الحافظ ابن كثير يميل إلى تفرد شريك بن عبد الله بهذه الرواية، حيث ذكر أنَّ شريكاً قد اضطرب في رواية هذا الحديث، وساء حفظه ولم يضبطه. (٧)

وثمة أجوبة أخرى عن حديث شريك؛ غير أنَّ هذه الأجوبة صادرة عن


(١) فتح الباري، لابن حجر (١٣/ ٤٩٣).
(٢) انظر: زاد المعاد، لابن القيم (٣/ ٣٨).
(٣) زاد المعاد (٣/ ٣٨)، ومدارج السالكين (٣/ ٣٠٠ - ٣٠١).
(٤) تفسير ابن كثير (٤/ ٦٧)، والبداية والنهاية (٣/ ١١٠).
(٥) شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز الحنفي (١/ ٢٧٦).
(٦) محاسن التأويل، للقاسمي (٩/ ٦٧).
(٧) انظر: تفسير ابن كثير (٣/ ٤) و (٤/ ٢٦٧)، والبداية والنهاية (٣/ ١١٠).

<<  <   >  >>