للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٤ - ويرى أبو العباس القرطبي أنَّ الأولية في حديث عبد الله بن عمرو المراد بها: أول الآيات الكائنة في زمان ارتفاع التوبة والطبع على كل قلب بما فيه، وعلل ذلك: بأن ما قبل طلوع الشمس من مغربها التوبة فيه مقبولة، وإيمان الكافر فيه يصح. (١)

وأما حديث أنس أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ نَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنْ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ». (٢) فقد جاء في حديث آخر أنها آخر الآيات؛ فعن حذيفة بن أسيد الغفاري - رضي الله عنه - قال: «اطَّلَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ فَقَالَ: مَا تَذَاكَرُونَ؟ قَالُوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ. قَالَ: إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ، فَذَكَرَ: الدُّخَانَ، وَالدَّجَّالَ، وَالدَّابَّةَ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَيَأَجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَثَلَاثَةَ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنْ الْيَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ» (٣).

قال الحافظ ابن حجر: «ويجمع بينهما بأن آخريتها باعتبار ما ذُكِرَ معها من الآيات، وأوليتها باعتبار أنها أول الآيات التي لا شيء بعدها من أمور الدنيا أصلاً، بل يقع بانتهائها النفخ في الصور، بخلاف ما ذكر معها فإنه يبقى بعد كل آية منها أشياء من أمور الدنيا». اهـ (٤)

قلت: ويؤيد هذا الجمع أنَّ حديث أنس روي بلفظ: «وَأَمَّا أَوَّلُ شَيْءٍ يَحْشُرُ النَّاسَ فَنَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ فَتَحْشُرُهُمْ إِلَى الْمَغْرِبِ». (٥)

حيث لم ينص على أنها أول الآيات، بل فيه أنها أول من يحشر الناس. (٦)


(١) انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي (٧/ ٢٤٢).
(٢) سبق تخريجه في أثناء المسألة.
(٣) أخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب الفتن وأشراط الساعة، حديث (٢٩٠١).
(٤) فتح الباري، لابن حجر (١٣/ ٨٨).
(٥) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (٣/ ٢٧١)، حديث (١٣٨٩٥)، وأبو داود الطيالسي في مسنده (١/ ٢٧٣)، وابن حبان في صحيحه (١٦/ ٤٤٢)، وأبو يعلى في مسنده (٦/ ١٣٩)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (١/ ٥٠٢)، حديث (٢٥٦٨).
(٦) انظر: مرقاة المفاتيح، للملا علي القاري (١٠/ ٨٢).

<<  <   >  >>