للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال القفال: «ذكر الله تعالى هذه القصة على تمثيل ضرب المثل، وبيان أنَّ هذه الحالة صورة حالة هؤلاء المشركين في جهلهم، وقولهم بالشرك، وتقرير هذا الكلام، كأنه تعالى يقول: هو الذي خلق كل واحد منكم من نفس واحدة، وجعل من جنسها زوجها، إنساناً يساويه في الإنسانية، فلما تغشى الزوج زوجته، وظهر الحمل؛ دعا الزوج والزوجة ربهما لئن آتيتنا ولداً صالحاً سوياً لنكونن من الشاكرين لآلائك ونعمائك؛ فلما آتاهما الله ولداً صالحاً سوياً جعل الزوج والزوجة لله شركاء فيما آتاهما؛ لأنهم تارة ينسبون ذلك الولد إلى الطبائع، كما هو قول الطبائعيين، وتارة إلى الكواكب كما هو قول المنجمين، وتارة إلى الأصنام والأوثان كما هو قول عبدة الأصنام، ثم قال تعالى: (فَتَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) أي تنزه الله عن ذلك الشرك». اهـ (١)

واعتُرِضَ على هذا القول:

١ - بأن قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا) لا يصح حمله على غير آدم وحواء - عليهما السلام.

٢ - وبقوله: (دَّعَوَا اللهَ رَبَّهُمَا) فإن كل مولود يولد بين الجنسين لا يكون منهما عند مقاربة وضعه هذا الدعاء. (٢)

القول الثالث: أنَّ المشركين كانوا يقولون: إن آدم عليه السلام كان يعبد الأصنام ويرجع في طلب الخير ودفع الشر إليها، فذكر تعالى قصة آدم وحواء عليهما السلام وحكى عنهما أنهما قالا: (لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) أي ذكرا أنه تعالى لو آتاهما ولداً سوياً صالحاً لاشتغلوا بشكر تلك النعمة، ثم قال: (فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء) فقوله: (جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء) ورد بمعنى الاستفهام على سبيل الإنكار والتبعيد والتقرير، والمعنى: أجعلا له شركاء فيما آتاهما؟ ثم قال: (فَتَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) أي تعالى الله عن شرك هؤلاء المشركين الذين يقولون بالشرك وينسبونه إلى آدم عليه السلام.


(١) نقله عنه الرازي في تفسيره (١٥/ ٧١).
(٢) انظر: فتح القدير، للشوكاني (٢/ ٤٠١).

<<  <   >  >>