للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السَّبْعِينَ» (١)، وهذه الرواية تدل على أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - فهم من الآية أنَّ الزيادة على السبعين نافعة للمُسْتَغْفَرِ له، وفيها وَعْدٌ وجزمٌ من النبي - صلى الله عليه وسلم - بالزيادة على السبعين.

والجواب: أنَّ الحديث قد رواه ابن عباس، عن عمر بلفظ: «لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي إِنْ زِدْتُ عَلَى السَّبْعِينَ يُغْفَرْ لَهُ لَزِدْتُ عَلَيْهَا» (٢)، وهذه الرواية أرجح؛ لأن الراوي لها عمر، وهو صاحب القصة، ولأن حديث ابن عمر رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه، والنسائي، من طريق يحيى بن سعيد، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر (٣)، ولم يذكروا قوله: «سَأَزِيدُهُ عَلَى السَّبْعِينَ». (٤)

الإيراد الثاني: أنَّ الله تعالى نهى عن الاستغفار للمشركين، في قوله: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (١١٣))، وهذه الآية نزلت في أبي طالب قبل الهجرة، فكيف جاز على قولكم أنْ يستغفر النبي - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن أبي، مع علمه - صلى الله عليه وسلم - بكفره، وتقدم النهي عن الاستغفار للمشركين؟

والجواب: أنَّ آية النهي عن الاستغفار للمشركين الصواب تأخر نزولها عن وفاة أبي طالب، والأظهر أنَّ نزولها كان بعد وفاة عبد الله بن أبي، وأما الآية التي نزلت في أبي طالب مباشرة فهي قوله تعالى: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٥٦)) [القصص: ٥٦].

قال الحافظ ابن حجر: الذي يظهر أنَّ الآية المتعلقة بالاستغفار (٥) نزلت بعد أبي طالب بمدة، وهي عامة في حقه وفي حق غيره، ويوضح ذلك لفظ: «فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعدَ ذَلِكَ (٦): (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) [التوبة: ١١٣]، وَأَنْزَلَ فِي أَبِي طَالِبٍ: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) [القصص: ٥٦]» (٧)، ولأحمد (٨)، من طريق أبي حازم، عن أبي


(١) تقدم تخريجه في أول المسألة.
(٢) تقدم تخريجه في أول المسألة.
(٣) أخرج الإمام أحمد في مسنده (٢/ ١٨)، والترمذي في سننه، في كتاب التفسير، حديث (٣٠٩٨)، والنسائي في سننه، في كتاب الجنائز، حديث (١٩٠٠)، وابن ماجة في سننه، في كتاب ما جاء في الجنائز، حديث (١٥٢٣)، من طريق يَحْيَى بنِ سَعيد، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «لَمَّا مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ جَاءَ ابْنُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْطِنِي قَمِيصَكَ حَتَّى أُكَفِّنَهُ فِيهِ، وَصَلِّ عَلَيْهِ وَاسْتَغْفِرْ لَهُ، فَأَعْطَاهُ قَمِيصَهُ وَقَالَ: آذِنِّي بِهِ، فَلَمَّا ذَهَبَ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ قَالَ يَعْنِي عُمَرَ: قَدْ نَهَاكَ اللَّهُ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ. فَقَالَ: أَنَا بَيْنَ خِيرَتَيْنِ: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ. فَصَلَّى عَلَيْهِ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا) قَالَ: فَتُرِكَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ».
(٤) انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي (٢/ ٦٤١)، والتحرير والتنوير، لابن عاشور (١٠/ ٢٧٨).
(٥) وهي قوله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (١١٣)).
(٦) لفظة «بعد ذلك» لم أقف عليها في روايات الحديث.
(٧) أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب التفسير، حديث (٤٧٧٢)، ومسلم في صحيحه، في كتاب الإيمان، حديث (٢٤).
(٨) مسند الإمام أحمد (٢/ ٤٣٤)، وأخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب الإيمان، حديث (٢٥).

<<  <   >  >>