للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[وقال الأعمش كنا نشهد الجنازة ولا ندري من المعزى فيها لكثرة الباكين وإنما بكاؤهم على أنفسهم لا على الميت].

[وقال ثابت البناني كنا نشهد الجنازة فلا نرى إلا باكيا].

[وقال إبراهيم النخعي كانوا يشهدون الجنازة فيرى فيهم ذلك أياما كأن فيهم الفكرة في حال الموت وفي حال الميت].

وهذه المظاهر من الكلام في أمور الدنيا، والضحك، حال التشييع للجنازة تدل على قسوة القلب. والغفلة عن المصير المحتوم، فعن جَابِرٍ، قَالَ: مَرَّتْ بِنَا جِنَازَةٌ، فَقَامَ لَهَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَقُمْنَا مَعَهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ قَالَ: " إِنَّ الْمَوْتَ فَزَعٌ، فَإِذَا رَأَيْتُمُ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا). (١)

قال القرطبي - رحمه الله -: قوله إن الموت فزع؛ أي يفزع إليه ومنه، وهو تنبيه على استذكاره وإعظامه وجعله من أهم ما يخطر بالإنسان.

والمقصود من هذا الحديث ألا يستمرَّ الإنسان على غفلته عند رؤية الميت، فإنه إذا رأى الميت ثم تمادى على ما كان عليه من الشغل كان هذا دليلا على غفلته وتساهله بأمر الموت، فأمر الشرع أن يترك ما كان عليه من الشغل ويقوم تعظيمًا لأمر الميت واستشعارًا به. (٢)

وقال ابن الحاج لما ذكر جنائز السلف: كَانَتْ عَلَى الْتِزَامِ الْأَدَبِ وَالسُّكُونِ وَالْخُشُوعِ وَالتَّضَرُّعِ حَتَّى إنَّ صَاحِبَ الْمُصِيبَةِ كَانَ لَا يُعْرَفُ مِنْ بَيْنِهِمْ لِكَثْرَةِ حُزْنِ الْجَمِيعِ وَمَا أَخَذَهُمْ مِنْ الْقَلِقِ وَالِانْزِعَاجِ بِسَبَبِ


(١) أخرجه مسلم في صحيحه برقم (٩٦٠) ٢/ ٦٦٠.
(٢) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (٢/ ٦٢٠)

<<  <   >  >>