فأتوا على كلّ آية فيها الأمر أو معناه بالإعراض عن المشركين والجاهلين والصّبر والعفو فقالوا: هذه منسوخة بآية السّيف، يعنون آية الأمر بالقتال للمشركين أو أهل الكتاب، وذلك قوله تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ الآية [التّوبة: ٥]، أو قوله: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ الآية [التّوبة: ٢٩].
وتوسّعوا حتّى ادّعوا النّسخ على الأخبار الّتي لا ينسخ مثلها، مثل قول بعضهم: قوله تعالى: وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ [البقرة: ٣] منسوخ بفرض الزّكاة. وهذا من أفسد شيء يكون، فهذه صفة مدح ذكرها الله للمؤمنين وأخبر بها عنهم، وهم ينفقون قبل فرض الزّكاة وبعد فرضها، والزّكاة المفروضة من ذلك وليست ضدّه ليقال: هاهنا نسخ.
ومن تلك الكتب الّتي هي أجدر بالإتلاف والإزالة منها بالتّداول والنّشر: كتاب «النّاسخ والمنسوخ» لمحمّد بن حزم، ومثله لهبة الله بن سلامة، وكتاب مرعيّ الكرميّ، فهذه وشبهها كتب بالخطإ والقول على الله بغير علم ألصق منها بالعلم والهدى.
وبمثلها اغترّت طائفة من المتأخّرين فاستعظموا ما ذكر هؤلاء لما رأوا فيه من إبطال المحكمات، فأنكروا النّسخ أصلا بقصد حسن، هو الذّبّ عن القرآن العظيم، كما تسلّط بصنيع هؤلاء المستشرقون الحاقدون على الإسلام، فطعنوا على القرآن بذلك.