وهذا المعنى لم ينفكّ الصّحابة عن مراعاته، مع ما فهموه من الإذن في الحديث عن أهل الكتاب، كما تقدّم من صنيع عائشة وابن
مسعود وقول ابن عبّاس، فأحاديث الإذن أزاحت عنهم شبهة المنع المطلق، لكنّهم بقوا على ملاحظة المعنى الّذي لأجله جاء النّهي.
فترخّص الصّحابة في الحديث عن بني إسرائيل كان في حدود ضيّقة، وبالاستقراء ثبت أنّ القدر الّذي ترخّصوا فيه من ذلك يتّسم بأمور ثلاثة:
أوّلها: القلّة، فإذا استبعدت ما لا تثبت أسانيده إليهم، فإنّه يخلص منه قدر قليل جدّا.
ثانيها: أنّه أخذ عن مسلمة أهل الكتاب، مثل عبد الله بن سلام، وكعب الأحبار، وليس هذا كمن يتلقّى عن الأحبار والرّهبان وهم على دينهم؛ لأنّ الأصل في هؤلاء الّذين أسلموا منهم أنّهم يتحرّون، فلا يحدّثون بما ظهر كذبه، أو عارض القرآن وأصول الإسلام، إنّما يخبرون بما يأتي على التّصديق لما جاء به الرّسول صلى الله عليه وسلم.
واليهود والنّصارى أوتوا العلم، وعلموا الحقّ فزاغوا عنه وضلّوا، وليسوا كسائر الكفّار، والقرآن نبّه على هذا في مواضع، كما قال تعالى: