للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والوجه عضوان في البدن معلومان، والكلام لا يكون إلّا بفم ولسان وفكّين، فتخيّل هؤلاء من هذه الصّفات لربّهم صورة هي حاصل قياس الغائب على الشّاهد، حتّى قال بعضهم: لله جسم، فشبّهه بخلقه، تعالى الله عن ذلك، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشّورى: ١١].

واعلم أنّه ليس المراد بأصحاب هذا الاعتقاد طائفة اعتقدوا لله جسما كجسم الإنسان، فإنّ هذا لا يكاد يوجد فيمن ينتسب إلى الإسلام، وإنّما هو ممّا يشنّع به المخالفون على بعضهم، بل لو جزمت بنفي وجوده في الواقع في المسلمين لم تلم إن شاء الله؛ لأنّ متعلّق النّاس ظواهر النّصوص، وليس فيها ما يسوّل لنفس أن تبني لله عزّ وجلّ صورة في الأذهان.

وحين يقولون: «فلان كان مجسّما» فإن كان نعت بذلك من صاحب سنّة واتّباع، فمراده ما تقدّم ذكره من أنّ فلانا هذا أثبت لله الصّفات مع اعتقاد صورة تلك الصّفة على ما عهد في عالم الشّهادة،

وإن كان نعت بذلك من قبل الصّنف التّالي، فربّما قصد به من يعتقد مذهب السّلف، ممّن يمرّها كما جاءت دون تفسير.

ولم يزل لهذا الصّنف الّذي يجري الصّفات على الظّاهر المعلوم في عالم الشّهادة بقيّة إلى يومنا، فرأينا من يقول: (لله عينان اثنتان) ثمّ يستدلّ لذلك بأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نفى عن الله العور (١)، قال: (والعور في اللّغة: ذهاب حاسّة


(١) كما في الحديث الوارد في ذكر المسيح الدّجّال، وقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيه: «إنّه أعور، وإنّ الله ليس بأعور» أخرجه البخاريّ (رقم: ٣١٥٩) ومسلم (رقم: ١٦٩).

<<  <   >  >>