للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سوى بعض الأثر المنقول عن بعض السّلف، كما سيأتي ذكره.

واستثني تمكين الكافر من بعض القرآن يكون في كتاب بغرض دعوته، استدلالا بحديث ابن عبّاس في قصّة كتابة النّبيّ صلى الله عليه وسلم لهرقل ملك الرّوم يدعوه إلى الإسلام، وفيه آية من كتاب الله (١).

والّذي تحرّر لي من النّظر في هذه المسألة هو: أنّا نعلم أنّ الله تعالى أنزل هذا القرآن بلاغا لكلّ النّاس، كما قال: يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً ١٧٤ [النّساء: ١٧٤]، فكلّ بني آدم مخاطبون به: مسلمهم وكافرهم، وهو يبلّغ تلاوة، كما قال تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التّوبة: ٦]، ويبلّغ كتابة، كما وقع في كتاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى هرقل، فالتّلاوة والكتابة جميعا وسيلتان للتّبليغ، ولا يذهب أحد إلى منع تمكين الكافر من استماع القرآن، بل الدّعاة إلى الله تعالى مأمورون بإسماع القرآن، فإذا صحّ هذا ساغ أن يبلّغوه كتابة كما يبلّغونه تلاوة، حيث تساويا جميعا بهذا الاعتبار.

ثمّ نحن اليوم في زمان تعيّن الكتاب فيه كطريق من أهمّ طرق التّبليغ، كما يحصل بطريق الأشرطة الصّوتيّة المسجّلة، بل الواقع يشهد لاعتبار


(١) قصّة هرقل متّفق عليها، أخرجها: البخاريّ (رقم: ٧، ومواضع أخرى) ومسلم (رقم: ١٧٧٣).
وهذا المعنى في الكتابة إلى الكافر بالآية والآيتين حكى النّوويّ الاتّفاق على جوازه (انظر: المجموع ٢/ ٨٤، فتح الباري ٦/ ١٣٤).

<<  <   >  >>