نسفر ببياض قبل الليل، وبقي عليك سفر من نهار، وفي المجاز: وجه مسفر، مشرق سرورا {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ} وفي الفصيح: وقد سفرت المرأة، إذا ألقت خمارها عن وجهها، والرجل عمامته، وهي سافر وأسفر وجهها إذا أضاء، وكذلك الصبح، وفي الغريبين قيل: للكاتب سافر؛ لأنه يبين الشيء ويوضحه، ومنه إسفار الصبح، وفي الكتاب المغيث لأبي موسى: أسفر الصبح انكشف، ومنه الحديث: أسفروا بالصبح.
قال الخطابي: يحتمل أنّه حين أمروا بالتغليس بالفجر كانوا يصلونها عند الفجر الأول رغبة في الأجر، فقيل أسفروا بها أي: أخروها إلى ما بعد الفجر الثاني، فإنه أعظم للأجر، قال أبو موسى: ويدلّ على صحة قول الخطابي حديث هرير بن عبد الرحمن بن رافع، عن جدّه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لبلال: نور بالفجر قدر ما يبصر القوم مواقع نبلهم.
ويدل عليه أيضا فعله صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يغلس بها إلا يوما واحدا على ما روي، فلو كان الإسفار أفضل لما كان يختار التغليس عليه، قاله الخطابي: فإن قيل: فإن صلاتهم قبل الوقت لا تجزئهم أصلا، قيل: كذلك هو، إلا أنّهم لا يفوتهم ثوابهم: كالحاكم إذا اجتهد فأخطأ كان له أجر، وإن أخطأ.
وقيل: إنّ الأمر بالإسفار إنّما جاء في الليالي المقمرة التي لا يبيّن فيها جيدا؛ فأمروا بزيادة تبيّن فيه، قاله أبو حاتم بن حبان. والله عزّ وجلّ أعلم.
وقد اختلف العلماء في وقت الفجر المختار، فذهب أبو حنيفة، وسفيان بن سعيد، وأكثر العراقيين: إلى أنّ الإسفار أفضل، قالوا: وهو قوة الضوء، قال في المحيط: إذا كانت السماء مصبحة فالإسفار أفضل إلا للحاج بمزدلفة، فهناك التغليس أفضل، وفي المبسوط: الإسفار بالفجر أفضل من التغليس سوى الأوقات كلّها، قال الطحاوي: إن كان من عزمه التطويل شرع بالتغليس ليخرج في الإسفار، قال: وهو