البيتين، وقوله: أشهد ألا إله إلا الله. قال أبو بكر: معناه عند أهل العربية أعلم أنه، وأبين ألا إله إلا الله. الدليل على هذا قوله تعالى:{مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} وذلك أنهم لما جحدوا نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا قد تبينوا على أنفسهم الضلالة، والكفر، قال حسان - رضي الله عنه -:
فنشهد أنك عبد المليك … أرْسلت نورا بدين قيم
.
ومن ذلك قولهم: شهد الشاهد عند الحاكم. معناه: قد بين له، وأعلمه الخبر الذي عنده. وقال أبو عبيدة: معناه: قضى الله تعالى. قال ابن الأنباري: وقول أبي العباس أحسن مشاكلة لكلام العرب. قال الزجاجي: ليس حقيقة الشهادة ما ذكره، ولو كان معنى الشهادة البيان والإعلام لما أكذب تعالى المنافقين في قوله:{قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ}. لأن البيان، والإعلام إنما هو باللسان لا بالقلب، فقد قالوا بلسانهم، وأعلموا، فكذبهم الله تعالى؛ لأن الشهادة في هذا الموضع إنما هي تحقق الشيء، وتيقنه، فكذبهم تعالى؛ لأنهم أبطنوا خلاف ما أظهروا، فقد تكون الشهادة على ضروب، وأصلها تحقق الشيء، وتيقنه من شهادة الشيء أي: حضوره؛ لأن من شاهد شيئا فقد تيقنه علما، فاستعملت هذه اللفظة في تحقق الأشياء، ثم اتسع فيها بعد ذلك فاستعملت في موضعين آخرين؛ أحدهما: الإقرار بالشيء، والآخر البيان، والإظهار، فمن البيان والإظهار: ما ذكر في قوله تعالى: {شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} فأما شهادة الشاهد في الحقوق فإنما هي إخبار منه عما شاهده، وتيقنه، وأحضر للوقوف عليه معاينة وسماعا، وأما الإقرار فما كان يؤخذ به المشركون في صدر الإسلام، من الدعاء إليه، وهو أنهم كانوا يقاتلون حتى يتشهدوا فيحصن ماله، ويحقن دمه، وإنما كان يراد منهم الإقرار بهذا، ألا ترى أن المنافقين كانوا على