حتى يرى الفجر. وروى شبيها بهذا المعنى أبو إسحاق، عن الأسود، عن عائشة قال: قلت لها: أي ساعة توترين؟ قالت: ما أوتر حتى يؤذنوا، وما يؤذنون حتى يطلع الفجر، قال - صلى الله عليه وسلم -: إذا أذن عمرو فكلوا واشربوا، فإذا أذن بلال فارفعوا أيديكم، فإن بلالا لا يؤذن حتى يصبح. قال: ولكن خبر أبي إسحاق فيه نظر؛ لأني لا أقف على سماع أبي إسحاق هذا الخبر من الأسود، فأما خبر هشام بن عروة فصحيح من جهة النقل، وليس هذا الخبر يضاد خبر سالم، عن ابن عمر، وخبر القاسم، عن عائشة؛ إذ جائز أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد كان جعل الأذان بالليل نوبتين بين بلال، وبين ابن أم مكتوم، فأمر بلالا أن يؤذن أولا بالليل، فإذا نزل بلال صعد عمرو فأذن بعده بالنهار، فإذا جاءت نوبة عمرو بدأ ابن أم مكتوم فأذن بليل، فإذا نزل صعد بلال بعده بالنهار، وكان مقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن بلال يؤذن بليل. في الوقت الذي كانت النوبة لبلال في الأذان بالليل، وكانت مقالته - صلى الله عليه وسلم -: إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل. في الوقت الذي كانت النوبة في الأذان بالليل نوبة ابن أم مكتوم، فكان - صلى الله عليه وسلم - يعلم الناس في كلا الوقتين أن أذان الأول منهما هو أذان بليل لا نهار، وأن أذان الثاني بالنهار لا بالليل، فأما خبر الأسود، عن عائشة: وما يؤذنون حتى يطلع الفجر. فإن له معنيين أحدهما: لا يؤذن جميعهم حتى يطلع الفجر، لا أنه لا يؤذن أحد منهم، ألا تراه قد قال في الخبر: إذا أذن عمرو فكلوا واشربوا. ولو كان عمرو لا يؤذن حتى يطلع الفجر لكان الأكل والشرب على الصائم بعد أذان عمرو محرمين، والمعنى الثاني: أن تكون عائشة أرادت حتى يطلع الفجر الأول، فيؤذن الثاني منهم بعد طلوع الفجر الأول لا قبله، وهو الوقت الذي يحل فيه الطعام والشراب - والله أعلم -.
وفي كتاب البيهقي، عن أبي عبد الله، أنبأنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه قال: فإن صح رواية أنيسة فقد يجوز أن يكون الأذان نوبا بينهما، وهذا جائز صحيح، فإن لم يصح فقد صح خبر ابن عمر، وابن مسعود، وسمرة، وعائشة: أن بلالا كان