أطول الناس أعناقا. فذكر ابن أبي داود أن أباه قال: ليس أن أعناقهم تطول، وذلك أن الناس يعطشون يوم القيامة، وإذا عطش الإنسان انطوت عنقه، والمؤذنون لا يعطشون فأعناقهم قائمة. وفي محكم ابن سيده، قال ثعلب: هو قولهم: له عنق في الخير. أي: سابقة، وقيل: يغفر له مد صوته، وقيل: يزادون على الناس، وفي كتاب الهروي قال ابن الأعرابي: معناه أكثر الناس أعمالا، وقال غيره: هو من طول الأعناق؛ لأن الناس في الكرب يومئذ، وهم في الروح مشرئبون لأن يؤذن لهم في دخول الجنة، وقيل: إنهم يكونون رؤوسا يومئذ، والعرب تصف السادة بطول الأعناق، قال الشاعر:
يشبهون ملوكا في تجلتهم … وطول أنضية الأعناق واللمم
.
قال: ورواه بعضهم: إعناقا. أي: إسراعا إلى الجنة، كذا ذكره أيضا الخطابي، وقال القاضي أبو الفضل اليحصبي: هو على وجهه، وأن الناس في غرق العرق، وهم ناجون منه. انتهى، يؤيد هذا ما أسلفناه في الحديث أن ذلك سيماهم، وقول ابن الزبير: هم أطول الناس أعناقا في الجنة. ولعل هذا هو الأرجح؛ لكونه هو الظاهر، مع معاضدة الحديث، وقال المازري: يقال هو إشارة إلى قرب المنزلة من كرامة الله تعالى. وفي المشكل معناه: أن الناس يرون ثواب أعمالهم فتتطاول إلى ذلك أعناقهم، ويتفاضلون في ذلك، فيكون المؤذنون أطولهم أعناقا؛ لكثرة ما يرجونه من الثواب. وزعم ابن رشد: أن الأحسن في تأويل ذلك على المجاز؛ بمعنى أنهم آمنون، مشهورون بذلك يوم القيامة عند الناس لشهرة عملهم في الدنيا، كما يقول في وقت يستريب الناس منه بالخوف على أنفسهم بمطالبة طالب لهم ليس يأمن على نفسه، منه فلان مشى بين الناس طويل العنق، ويندرج في هذا ما ينبغي أن يكون المؤذن عليه، ففي حديث الزهري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يؤذن إلا متوضئ. وعنه قال: قال أبو هريرة: لا ينادي بالصلاة إلا متوضئ. رواهما الترمذي، وقال: هذا أصح من الأول، وحديث أبي هريرة لم يرفعه ابن وهب،