صلى الله عليه وسلم بقبرين يعذّبان، فقال: إنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير، كان أحدهما لا يستنزه عن البول، وكان الآخر يمشي بالنميمة، فدعا بجريدة رطبة الحديث، ذكره أبو القاسم في الأوسط من حديث عبيدة بن حميد، عن منصور، عن أبي وائل، عن مسروق عنها، وقال: لم يروه عن منصور إلا عبيدة، تفرّد به علي بن جعفر الأحمر، يعني شيخ شيخه محمد بن أحمد الوكيعي، وحديث عبد الله بن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر يوما بين قبور ومعه جريدة رطبة، فشقها باثنتين، ووضع واحدة على قبر، والأخرى على قبر آخر، ثم مضى، قلنا: يا رسول الله لم فعلت ذلك؟ فقال: أما أحدهما فكان يعذب في النميمة، وأما الآخر فكان لا يتقي البول، ولن يعذبا ما دامت هذه رطبة.
ذكره أبو القاسم في الأوسط من حديث غسان بن الربيع، ثنا جعفر بن ميسرة، عن أبيه عنه قال: لا يُرْوَى هذا الحديث عن ابن عمر إلا بهذا الإِسناد.
والقبر: جمعه قبور في الكثرة، وفي القلة: أقبرة، واستعمل مصدرًا، قالوا: قبرته أقبره قبرًا، وفي الغريبين: قبرته: دفنته، وأقبرته: جعلت له قبرًا. وقال القزاز: موضع قبر، ومن أسمائه أيضًا فيما ذكره ابن السكيت في كتاب الألفاظ، وأبو هلال العسكري في التلخيص: الجدث، والمنهال، والجدف، والرمس، والدمس، والجبان، والضريح، واللحد.
وفي هذه الأحاديث وغيرها إثبات عذاب القبر على ما هو المعروف عند أهل السنة، واشتهرت به الأخبار، ولم يخالف في ذلك إلا المعتزلة، كذا رأيت جماعة من العلماء ذكروا ذلك عند كلامهم على هذا الحديث وشبهه.
ويشبه أن يكون ذلك وهمًا منهم على المعتزلة؛ لما ذكره القاضي عبد الجبار رئيس المعتزلة ومصنفهم في كتاب الطبقات من تأليفه: إن قيل: إنّ مذهبكم أدَّاكم إلى إنكار عذاب القبر، وهو قد أطبقت عليه الأمة، وظهر فيه الآثار والدلائل. قيل: