إن هذا الأمر إنّما أنكره أولًا ضرار بن عمرو، ولما كان من أصحاب واصل، ظنوا أن ذلك مما أنكرته المعتزلة، وليس الأمر كذلك، بل المعتزلة رجلان: أحدهما: يجوز ذلك كما وردت به الأخبار، والثاني: يقطع بذلك، وأكثر شيوخنا يقطعون بذلك، إنّما ينكرون قول طائفة من الجهلة: إنّهم يعذبون وهم موتى، ودليل العقل يمنع من ذلك، وبنحوه قاله أبو عبد الله المرزباني في كتاب الطبقات أيضًا.
واختلف في فتنة القبر: هل هي للمسلمين وللكافرين؟.
فذهب أبو عمر بن عبد البر إلى أنه لا تكون إلا لمؤمن أو منافق من أهل القبلة ممن حقن الإِسلام دمه، وبنحوه قال الحكيم أبو عبد الله الترمذي في نوادر الأصول.
وخالفهما أبو محمد الإشبيلي، فزعم أنها تعم المؤمنين والمنافقين والكافرين، واختاره القرطبي في التذكرة، قال: وقد اختلف في هذين المعذبين - أعني اللذين في حديث ابن عباس - هل كانا من أهل القبلة أم لا؟ فقال: إن كانا منها، فالمرجو لهما بذلك تخفيف العذاب عنهما مطلقا، وإن كانا كافرين فالمرجو تخفيف العذاب المطلق بهذين الذنبين المذكورين.
أما قوله: إن كانا كافرين .. إلى آخره، فهو من طريق الشكّ، فهو قول مسنده فيما أظن - والله أعلم - حديث رواه أبو موسى المديني في كتاب الترغيب والترهيب من حديث ابن لهيعة، عن أسامة بن زيد، عن أبي الزبير، عن جابر قال: مر نبي الله - صلى الله عليه وسلم - على قبرين من بني النجار هلكا في الجاهلية، فسمعهما يعذبان في البول والنميمة.
وقال: هذا حديث حسن، وإن كان إسناده ليس بالقوي؛ لأنهما لو كانا مسلمين لما كان لشفاعته لهما إلى أن ييبسا معنى، ولكنه لما رآهما يعذبان، لم يستجز من عطفه ولطفه - صلى الله عليه وسلم - حرمهما من ذلك،