المصحف جنب ولا كافر، وإنما فيه أن لا ينال أهل الحرب القرآن فقط، فإن قالوا: إنما بعث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى هرقل بآية واحدة، قيل لهم: ولم يمنع عليه السلام من غيرها، وأنتم أهل قياس، فإن لم تقيسوا على الآية ما هو أكثر منها فلا تقيسوا على هذه الآية غيرها، فإن ذكروا قوله تعالى:{لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}، فلا حجة فيه؛ لأنه ليس أمرا، وإنما هو خبر، والرب تعالى لا يقول إلا حقا، ولا يجوز أن يصرف لفظ الخبر إلى معنى الأمر إلا بنص جلي، أو إجماع متيقن، فلما رأينا المصحف يمسه الطاهر وغير الطاهر علمنا أنه عز وجل لم يعِنِ المصحف، وإنما عنى كتابا آخر، وكما جاء عن سعيد بن جبير في قوله:{لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} قال: الملائكة الذين في السماء، وكان علقمة إذا أراد أن يتخذ مصحفا أمر نصرانيا، فنسخه له، وقال أبو حنيفة: لا بأس أن يحمل الجنب المصحف بعلاقته، وغير المتوضئ عندهم كذلك، وأبى ذلك مالك إلا إن كان في خرج أو تابوت، قال: فلا بأس أن يحمله اليهودي، والنصراني، والجنب، وغير الطاهر.
قال أبو محمد: وهذه تفاريق لا دليل على صحتها، والله أعلم.
وقد أسلفنا ما يرد هذا القول، وأن المرسل أسند، والضعيف قوي، والحمد لله وحده.
وفي المحيط: يكره للجنب مس كتب التفسير، والسنن، والفقه، لعدم خلوها عن آيات من القرآن، وفي فتاوى السمرقندي: يكره للجنب والحائض أن يكتبا كتابا فيه آية، لأنه مس القرآن.
وفي مسند الدارمي: أنبأنا عبيد الله بن موسى، وأبو نعيم قالا: حدثنا ابن عمر، عن ابن أبي مليكة أن عائشة رضي الله عنها: كانت ترقي أسماء، وهي عارك، وفي تفسير عبد بن حميد، ثنا عبيد الله بن موسى، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس:{لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}، قال: الملائكة هم