المطهرون من الذنوب، ثنا يونس، عن شيبان، عن قتادة:{لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}، قال: ذاكم عند رب العالمين، لا يمسه إلا المطهرون الملائكة، فأما عندكم فيمسه المشرك والنجس، والمنافق الرجس، وفي الروض: المطهرون في هذه الآية هم الملائكة، وهو قول مالك في الموطأ، واحتج بالآية الأخرى التي في سورة عبس، ولكنهم وإن كانوا الملائكة ففي وصفهم بالطهارة مقرونا بذكر المس يقتضي ألا يمسه إلا طاهر، اقتداء بالملائكة المطهرين، فقد تعلق الحكم بصفة التطهر، ولكنّه حكم مندوب إليه، وليس محمولا على الفرض، وكذلك ما كتب به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمرو بن حزم ليس على الفرض أيضا، وإن كان الفرض فيه أولى منه في الآية؛ لأنه جاء بلفظ النهي، عن مسه على غير طهارة، ولكنه في كتابه إلى هرقل دليل على ما قلناه، وقد خالف أبو ثور وطائفة ممن سلف منهم ابن عيينة وابن أبي سليمان إلى إباحة مسه على غير طهارة، ومما يقوي أن المطهرين في الآية هم الملائكة أنه لم يقل: المتطهرون، إنما قال: المطهرون، وفرق ما بين المتطهر والمطهر، وذلك أن المتطهر: من فعل الطهور، وأدخل نفسه فيه، كالمتفقه الذي يدخل نفسه في الفقه، وكذلك المتفعل في أكثر الكلام، أنشد سيبويه:
وقيس بن عيلان ومن تقيسا
.
فالآدميون متطهرون إذا تطهروا، والملائكة مطهرون خلقة، والآدميات إذا طهرن متطهرات، قال تعالى:{فَإِذَا تَطَهَّرْنَ}، والحور العين مطهرات قال تعالى:{فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} وهذا فرق بيّن، والمصطفي صلى الله عليه وسلم متطهر ومطهر، ولله الحمد والمنة.
قال ابن المنذر: ورخص بعض من كان في عصرنا للجنب والحائض في مسّ المصحف، والدنانير، والدراهم التي فيها ذكر الله تعالى، قال: ثبت أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ