للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما القدرية المعتزلة ومن وافقهم؛ فهم في مقابل الأوائل متوسطة، وهم الذين يثبتون مرتبتي العلم والكتابة، وينفون مرتبتي المشيئة والخلق.

فأنكروا أن يكون الله سبحانه خالقًا لشيء من أفعال الأحياء، من البشر أو الدواب أو الهوام أو غير ذلك، هذا مما اتفق عليه سائر المعتزلة (١).

بل لم يكتفوا بذلك حتى أنكروا قدرته عليها (٢)، وإنما تنازعوا هل يقدر على مثلها (٣).

وأنكروا كذلك إرادته لما وقع من المعاصي: فاجتمع عندهم فيها أمران: عدم خلقه سبحانه لها وعدم مشيئتها.

قال القاضي عبْد الجبَّار (٤): "اتفق كل أهل العدل على أن أفعال العباد من تصرفهم وقيامهم وقعودهم حادثة من جهتهم، وأن الله ﷿ أقدرهم على ذلك، ولا فاعل لها ولا محدث سواهم، وأن من قال أن الله سبحانه خالقها ومحدثها؛ فقد عظم خطؤه، وأحالوا حدوث فعل من فاعلَيْن" (٥).


(١) وهذا في الأفعال المباشرة، وأما في الأفعال المتولدة فاختلفوا فيما بينهم، وسيأتي تقسيمهم هذا في موضعه من البحث إن شاء الله.
(٢) انظر: الفرق بين الفرق (١٠٤)، والفصل (٥/ ٥٧).
(٣) انظر: مقالات الإسلاميين (١/ ٢٧٤).
(٤) هو: أبو الحسن، عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار بن أحمد بن خليل الهمذاني الشافعي، شيخ المعتزلة، ولي قضاء القضاة بالري، من كتبه: "المغني في أبواب التوحيد والعدل"، و"تنزيه القرآن عن المطاعن"، مات سنة (٤١٥ هـ).
انظر: تاريخ بغداد (١٢/ ٤١٤)، وسير أعلام النبلاء (١٧/ ٢٤٤).
(٥) المغني في أبواب التوحيد والعدل (٨/ ٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>