للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال: "لا يجوز أن يكون عاقلًا لهذه المتغيرات مع تغيرها من حيث هي متغيرة عقلًا زمانيًّا متشخصًا، بل على نحو آخر نبينه، فإنه لا يجوز أن يكون تارة يعقل منها أنها موجودة غير معدومة وتارة يعقل منها أنها معدومة غير موجودة، ولكل واحد من الأمرين صورة عقلية على حدة، ولا واحدة من الصورتين تبقى مع الثانية، فيكون واجب الوجود متغير الذات" (١).

ثانيًا: أن العلم بالجزئيات يحتاج إلى حواس تُدرك بها، ومعرفة مقدمات توصل إليها، كما يحتاج إلى تصور وتخيل، والرب منزه عن هذا، ففي هذا الوصف ما يتضمن افتقار الله إلى غيره (٢).

وقبل الرد عليهما تجدر الإشارة إلى أن مذهب الفلاسفة في هذا المقام هو فرار من تشبيه الله بخلقه، فإنهم لما لم يعقلوا من هذا إلا ما يثبت للمخلوق؛ نفوه عن الرب سبحانه تنزيهًا له.

وللمتكلمين أجوبة على مذهب الفلاسفة هذا متنوعة بتنوع مشاربهم، إلا أنها لا تشفي عليلا ولا تروي غليلًا، ولهذا نازعهم فيها ابن رشد وأفسدها عليهم، وإن كان حاصل رده عليهم ليس له طائل، بل مآل كلامه هو نفس ما يؤول إليه كلامهم (٣).

وجواب هاتين الشبهتين مبني على مسألة مهمة، وهي التفريق بين علم الظهور وعلم الله السابق، مع بيان أن علم الظهور لا ينافي العلم السابق،


(١) النجاة (٢/ ١٠٣).
(٢) انظر: الحدائق في المطالب العالية الفلسفية العويصة للبطليوسي (٣٥).
(٣) انظر: درء التعارض (٩/ ٣٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>