للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وستأتي هذه المسألة تحت قاعدة: "علم الظهور لا ينافي علم الله السابق".

أما الشبهة الأولى؛ فهي مبنية عند الفلاسفة على أصل من أصولهم، وهو منع قيام الحوادث بالرب ﷿، لأن ما لا يخلو من الحوادث فهو حادث، وبناءً على ذلك نفوا قيام الصفات به ﷿، الذاتية منها والفعلية.

قال شيخ الإسلام: "ومعلوم أنه إنما دعاهم [أي الفلاسفة] إلى ذلك: القول بنفي الصفات والأحوال الاختيارية التي تقوم بذات الله وظنهم أن ذلك مستلزم للكثرة التي يجب نفيها ومستلزم لتغير الأحوال الذي يجب نفيه" (١).

وجوابها من وجوه:

الأول: أن من يعلم الأشياء أكمل ممن لا يعلمها، فأن يعلم الجزئيات أكمل من أن لا يعلمها - وإن قدر لزوم التغير ونحوه عليه - (٢).

الثاني: أن الأدلة بأنواعها النقلية والعقلية دلت على اتصاف الله سبحانه بالصفات الذاتية والفعلية فيجب إثباتها له، وما لزم على ذلك من لوازم فهو حق؛ لأن لازم الحق حق.

الثالث: أن هذا لزوم غير صحيح لثبوت الفرق بين العلم القديم وعلم الظهور على ما سيأتي، وملخص ذلك: العلم السابق هو علم الله بكون الشيء ووجوده، وعلم الظهور هو علم بأنه سيكون، وعلم الله ليس كعلم المخلوقين، فلا يلزم من كونه ﷿ يخبر بحصول علم له بشيء بعد وقوعه أن ذلك العلم كان مسبوقًا بجهل، بل علمه سبحانه علم


(١) درء التعارض (١٠/ ٨٢)، وانظر: الرد على المنطقيين (٥٠٨).
(٢) درء التعارض (٩/ ٤١٢ - ٤١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>