للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاعل عالم وعلمه هو الذي أوجب الفعل" (١).

والرد على هاتين المقالتين من وجوه:

الأول: أن تقسيم العلم إلى سببي وغير سببي أمر معلوم ببداهة العقل، فكل أحد يدرك أن العلم ببعض الأشياء كأخبار من سلف من الأمم ليس سببًا في وجود هذا المعلوم بضرورة العقل، إذ هو سابق في وجوده، ويدرك كذلك أن من العلم ما هو شرط في حصول المعلوم، كبناء دار؛ فلا يمكن لأحد أن يبني بيتًا وهو جاهل بصناعة البناء.

الثاني: أن الفلاسفة في نفيهم للعلم غير السببي، وكذا المتكلمون في نفيهم للعلم السببي كلاهما معترف ضمنًا بالقسمة، وإن عبَّر بنفيها، وإن أنكروها فهي لازمة لهم.

فمن يقر من الفلاسفة بأن الله سبحانه يعلم نفسه - وهم أكثر الفلاسفة (٢) - يلزمه أن يقر بأن علمه سبحانه بها ليس سببًا فيها؛ لأن ذاته سبحانه غير مخلوقة.

وأما المتكلمون فإنهم يقرون بأن العلم بالشيء الذي سيفعله الفاعل شرط في حصول ذلك الشيء، وإذا كان شرطًا في حصوله فهو سبب مؤثر فيه، ولذلك فإنهم يستدلون على ثبوت العلم للرب سبحانه بدليل الإحكام والإتقان (٣)، فلو لم يكونوا مقرين بوجود هذا القسم لما صحَّ لهم الاستدلال


(١) الملل والنحل (١/ ٨٢).
(٢) انظر: تلبيس إبليس (١/ ٣٢٥).
(٣) انظر مثلًا: شرح الأصول الخمسة (١٥٦)، وشرح العقائد النسفية (٣٦)، وشرح السنوسية (٩٣)، وتحفة المريد (١٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>