للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا عُرف أن كونهم ولدوا على الفطرة لا ينافي أن يكونوا تبعًا لآبائهم في أحكام الدنيا زالت الشبهة.

والنبي لم يرد بقوله: (كل مولود يولد على الفطرة)، الإخبار بأحكام الدنيا وحال أطفال الكفار، وإنما أراد بيان الحقيقة التي خلقوا عليها (١).

وسبب الخلاف: أن القدرية كانوا يحتجون بهذا الحديث على أن الكفر والمعاصي ليس بقدر الله بل مما فعله الناس، فكل مولود خلقه الله على الفطرة، وكفره إنما حصل بعد ذلك من الناس.

فأراد الأئمة منع احتجاج القدرية بهذا الحديث على نفي القدر، فصاروا يتأولونه بتأويلات يخرجونه بها عن مقتضاه، فكان مقصودهم صحيحًا، لكن سلكوا في حصوله طرقًا بعضها صحيح، وبعضها ضعيف (٢).

وأما الأقوال الأخرى في معنى الفطرة فهي خمسة:

القول الأول: أن المراد بالفطرة في الحديث: الخلقة التي خُلق عليها المولود من المعرفة بربه، فكأنه قال: كل مولود يولد على خلقة يعرف بها ربه إذا بلغ مبلغ المعرفة، يريد: خلقة مخالفة لخلقة البهائم التي لا تصل بخلقتها إلى معرفة ذلك، قالوا: والفاطر الخالق وأنكروا أن يكون المولود يفطر على كفر أو إيمان أو معرفة أو إنكار، قالوا: وإنما يولد المولود على السلامة في الأغلب خلقة وطبعًا وبنيةً ليس معها إيمان ولا كفر ولا إنكار ولا معرفة ثم يعتقد الكفر أو


(١) انظر: درء التعارض (٨/ ٤٣٢ - ٤٣٣).
(٢) انظر: درء التعارض (٨/ ٣٦٢ و ٣٧٧ و ٣٨٢ و ٤١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>