للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكما في بعض روايات حديث أبي هريرة : (ما من مولود يولد إلا وهو على الملة)، و (إلا على هذه الملة حتى يبين عنه لسانه) (١).

وقد أوَّل القاضي عبد الجبار المراد بالفطرة في الآية إلى "أنه خلق جميع العباد للطاعة والقيام بالدين، على خلاف ما تقوله المجبرة، وذلك أن فطرة الله هي دينه لأنه خلقهم لأجلها وفطرهم لها، فلما فطر الخلق لذلك وصف نفس الدين بأنه فطرة" (٢)، وتأويله هذا مردود بتصريح النبي بكون الفطرة الإسلام، وبإجماع السلف - ومنهم الصحابي أبو هريرة صاحب الحديث - على أن المراد بها في الآية: الإسلام (٣)، وقد تقدمت الأدلة على ترجيح كون المراد بالفطرة الإسلام (٤).

الثالث: أن مبناه على إنكارهم أن الله سبحانه يهدي ويضل، وإنكارهم أن يكون للرب سبحانه على العبد المطيع نعمة خاصة أعانه بموجبها على الطاعة، وهذان المذهبان باطلان - كما سيأتي في موضعه - فما بني عليهما فهو باطل.

وإنكار المعتزلة كون العبد مفطورًا على الإسلام، وتأويلهم لأحاديث الفطرة جرَّهم إلى القول بأن معرفة الله سبحانه ليست فطرية، بل هي حاصلة بالنظر، ولذلك أوجبوا النظر، وجعلوه أول الواجبات.

قال القاضي عبد الجبار: "إن سأل سائل فقال: ما أول ما أوجب الله


(١) تقدم تخريجهما ص (٢٩٢).
(٢) متشابه القرآن (٥٥٦).
(٣) انظر ما تقدم ص (٢٩٠).
(٤) انظر ما تقدم ص (٢٩٠) وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>