للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن ذلك قول قتادة : "الجبار: جبر خلقه على ما يشاء" (١)، وقول محمد بن كعب القرظي : "إنما يسمى الجبار لأنه يجبر الخلق على ما أراد" (٢).

والجبر بهذا المعنى تصح إضافته إلى الله ، بل لا يقدر عليه غيره، فهو ﷿ المتفرد بالخلق وتدبير العباد وقلوب العباد بين إصبعين من أصابعه كقلب واحد، يقلبها كيف شاء، فمعنى هذا الجبر: القهر والقدرة، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ومن قهره وقدرته أنه يجعل العبد محبًّا مريدًا فاعلًا لما يشاؤه منه، إما مع محبته واختياره، وإما مع بغضه وكرهه.

والجبر من الله على هذا المعنى - مختص به - كما تقدم -، وهو مبني على عدله ، وصادر عن علمه الشامل وحكمته البالغة (٣)، وأما على المعنى الأول فلا يصح أن يوصف به الله ، لأن الذي يكره غيره على خلاف ما يريد؛ هو عاجز في الحقيقة عن جعله مريدًا للفعل محبًا له راضيًا به، والله على كل شيء قدير، ولا يعجزه شيء.

فلأجل هذا الاشتباه في معنى الجبر منع الأئمة من إطلاق القول بالنفي أو الإثبات فيه، وعدلوا عنه إلى اللفظ الشرعي الصحيح وهو: الجبْل.


(١) رواه ابن جرير (٢٢/ ٥٥٤).
(٢) رواه الخلال في السنة (٣/ ٥٥٧) رقم (٩٣٥ و ٩٣٦)، والبيهقي في الأسماء والصفات (١/ ٨٩) رقم (٤٨).
(٣) انظر للفروق بين الجبر بهذا المعنى وبين جبر المخلوق: مجموع الفتاوى (٨/ ٤٦٥)، وشفاء العليل (١/ ٣٨٧ - ٣٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>