للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سرية واستعمل عليهم رجلًا من الأنصار، وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا، فأغضبوه في شيء فقال: اجمعوا لي حطبًا فجمعوا له، ثم قال أوقدوا نارًا فأوقدوا، ثم قال ألم يأمركم رسول الله أن تسمعوا لي وتطيعوا؟ قالوا: بلى، قال: فادخلوها، قال: فنظر بعضهم إلى بعض فقالوا: إنما فررنا إلى رسول الله من النار، فكانوا كذلك وسكن غضبه وطفئت النار، فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي فقال: (لو دخلوها ما خرجوا منها؛ إنما الطاعة في المعروف) (١)، فقد بيَّن النبي وجوب الخروج عن الطاعة إذا كانت في غير المعروف.

ولا مجال للأشعرية بأن ينازعوا بأن هذه الأحكام ثبتت في الشرع، لأن الأول ممدوح عقلًا قبل ورود الشرع لتضمنه حفظ مال السفيه، والثاني كان فعل الصحابة فيه صائبًا قبل ورود الشرع، بدليل استدلالهم بالعقل، ثم جاء إقرار النبي لهم.

فهذان دليلان ومثالان على أن التصرف في ملك الغير ومخالفة الآمر قد يكونان عدلًا لا ظلمًا.

وذهبت القدرية المعتزلة إلى أن الظلم مقدور لله تعالى، إلا أنهم جعلوا الظلم الذي حرمه الله وتنزه عنه نظير الظلم من الآدميين بعضهم لبعض، إذ هم مشبهة في الأفعال.


(١) رواه البخاري: كتاب الأحكام، باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية (٩/ ٦٣) ح (٧١٤٥)، ومسلم: كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية (٣/ ١٤٦٩) ح (١٨٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>