وإنما كان الله سبحانه منزَّهًا عن الظلم عندهم لأن الظلم غير مراد له سبحانه، فهو - عندهم - لم يرد وجود شيء من الذنوب لا الكفر ولا الفسوق ولا العصيان ولا خلقه، بل العباد أحدثوا ذلك بغير مشيئته، فلما أحدثوا هذه المعاصي استحقوا العقوبة عليها، فعقوبتهم عندئذٍ ليست ظلمًا.
فالإحداث ليس فعله، والعقوبة عليه عدل، ليست بظلم.
وفرَّعوا على هذا أيضًا إنكار هداية الرب سبحانه لخلقه وإضلالهم، لأنه عندهم إذا أمر العبد ولم يعنه بجميع ما يقدر عليه من وجوه الإعانة كان ظالمًا له، وكذلك إذا اختص بعض عباده بالإعانة دون بعض كان ظالمًا.
قال القاضي عبد الجبار:"اعلم أن الظلم كل ضرر لا نفع فيه ولا دفع ضرر، ولا استحقاق ولا الظن، للوجهين المتقدمين، ولا يكون في الحكم كأنه من جهة المضرور به، ولا يكون في الحكم من جهة غير فاعل الضرر"(١).
فشروط الظلم عندهم:
١) أن يكون ضررًا لا نفع فيه ولا دفع ضرر؛ إذ لا يكون ظالمًا من كلف أجيرًا بعمل مضر به في مقابل أجرة يحصل له بها نفع معلوم.
ولا يكون ظالمًا من أضر بأحد مضرة لدفع مضرة أكبر منها، كما يقطع الطبيب اليد المتآكلة إبقاء لحياة المريض.
٢) أن يكون ضررًا غير مستحق، إذ لا يكون ظالمًا من أضر بعقوبة من يستحق هذه العقوبة، كذم الفاسق والكاذب، فإنهما مستحقان للذم.
٣) أن يكون الضرر ليس من جهة المضرور به، إذ ليس بظالم من دفع