للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عدلًا ولا ظلمًا، قال القاضي عبد الجبار: "فصل في بيان وصف الفعل بأنه عدل وحكمة وما يتصل بذلك.

اعلم أن الذي يختص بهذه الصفة من الأفعال كل فعل فعله لينتفع المفعول به على وجه يحسن أو يضر به، وأما ما يفعله الفاعل منا بنفسه لمنفعة أو دفع مضرة فإنه لا يوصف بذلك" (١).

فمما تقدم يظهر أن المعتزلة أحسنوا في إثبات قدرة الرب على الظلم، ولكنهم أخطؤوا في مسألتين:

الأولى: في حقيقة الظلم، فإنهم عرفوه بناءً على تشبيه أفعال الله بأفعال الخلق، وأنه يحسن منه ما يحسن منهم، ويقبح منه ما يقبح منهم.

الثانية: جعلهم هذا دليلًا وحاملًا على إنكار خلق الله سبحانه لأفعال العباد، لأنه - بزعمهم - إذا كان خالقًا لها ثم عذبهم على القبيح منها فهو ظالم، وفي ذلك يقول القاضي: "وأحد ما يدل على أنه تعالى لا يجوز أن يكون خالقًا لأفعال العباد: هو أن في أفعال العباد ما هو ظلم وجور، فلو كان الله تعالى خالقًا لها لوجب إن يكون ظالمًا جائرًا، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا" (٢).

ولا شك في بطلان ما ذهبوا إليه في المسألتين، أما الثانية؛ فلأنه لا يلزم من كون الله خالقًا لأفعال العباد أن يكونوا غير فاعلين لها، أو أن يكونوا مجبورين عليها، بل للعبد قدرة ومشيئة على فعله والله خالقه وخالق قدرته ومشيئته وفعله، وسيأتي في مبحثي خلق الأفعال الرد عليهم في هذا.


(١) المغني للقاضي عبد الجبار (٦/ ٤٨).
(٢) شرح الأصول الخمسة (٣٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>