للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يرجح مرادًا على مراد بما ينضم إلى إرادته من محبة هذا المراد، أو محبة ما يؤول إليه، فلا يعقل أن يرجح المراد إذا استوى عنده وجوده وعدمه، بل لا بد أن يكون وجوده أولى عنده من عدمه (١)، وهذه هي حقيقة الحكمة.

وليس معنى انضمام الحكمة إلى الإرادة أن الإرادة كانت ولا حكمة، ثم انضمت الحكمة إليها، بل المعنى أن الإرادة لا تستقل بنفسها بل لا بد معها من حكمة.

فالإرادة تابعة للحكمة، فكل ما يشاء الله وجوده فإنما شاءه لحكمة، وأوجده لحكمة، فالفعل وجودًا ومشيئة - قبل ذلك - إنما كان لحكمة، فصارت الحكمة هي الباعث والقصد الأول لكل فعل؛ لمشيئته أولًا، ثم لإيجاده.

قال الألوسي في قوله تعالى: ﴿وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾ [الحجر: ٢١]: " ﴿وَمَا نُنَزِّلُهُ﴾ أي: نوجد وما نكوِّن شيئًا من تلك الأشياء ملتبسًا بشيء من الأشياء ﴿إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾؛ أي إلا ملتبسًا بمقدار معين تقتضيه الحكمة، وتستدعيه المشيئة التابعة لها من بين المقدورات الغير المتناهية، فإن تخصيص كل شيء بصفة معينة وقدر معين ووقت محدود دون ما عدا ذلك، مع استواء الكل في الأشكال وصحة تعلق القدرة به؛ لا بد له من حكمة تقتضي اختصاص كل من ذلك بما اختص به" (٢).

وكل من الحكمة والإرادة متلازمان؛ أما استلزام الإرادة للحكمة فلأنه


(١) انظر: مجموع الفتاوى (١٦/ ٤٥٨ - ٤٥٩).
(٢) روح المعاني (١٤/ ٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>