للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويتبَع ذلك أنهم يفسرون الحكمة بمعناها الذي عرف بالشرع وبلسان العرب، ولا يفسرونها بما يعرفونه - أو يتوهمونه - في المخلوق، فإن هذا من أعظم الجناية في التعامل مع الله ؛ فإن في ذلك تشبيهًا لله بخلقه (١)، فلا يفسرونها بتحصيل اللذة، أو دفع الهم والحزن ونحو ذلك.

المسألة الرابعة: حكمة الله نوعان:

- حكمة هي صفته ﷿، وهي كما تقدم صفة ذاتية معنوية له .

- حكمة مخلوقة هي أثر اتصافه بالحكمة.

فيقال: الحكمة صفة الله ﷿، ويقال: من حكمة الله نزول المطر، وخلق البحار ونحو ذلك، وذلك أن اسم الصفة - الذي هو الحكمة هنا - يراد اسم المصدر، ويراد به كذلك متعلقها وهو مسمى المفعول، فالله حكيم بالحكمة التي هي صفته ، وما يخلقه من الحكم هو أثر تلك الحكمة (٢).

وقد سبقت الإشارة إلى الفرق بين الفعل والمفعول (٣).

المسألة الخامسة: الحكمة التي هي الغاية بفعله منها ما يعود إليه ، ومنها ما يعود إلى خلقه.

يقرر أهل السنة ما دلت عليه نصوص الشرع، من أن الحكمة التي


(١) وهذا المسلك كان سبب انحراف كثير من أهل البدع عن الصراط المستقيم، فإنهم لما لم يعقلوا من الصفات غير ما يشاهدونه في المخلوق؛ توهموا أن إثباتها تنقصٌ للرب ﷿ وتشبيهٌ له بخلقه، فلم يجدوا سبيلًا لتنزيهه عن هذا النقص إلا بتعطيل الصفات، فمثلوا أولًا وعطلوا ثانيًا، والله المستعان.
(٢) انظر: مجموع الفتاوى (٨/ ١٢٧).
(٣) انظر ما تقدم ص (٣٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>