للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبيان ذلك أن هذه الصفات هي في مقام التعليل لأفعاله ، فينزل الغيث رحمة بعباده، وينصر رسله محبة لهم ولدينهم، ويهلك أعداءه غضبًا عليهم وانتقامًا منهم، وهكذا (١)، لذا فإن إثبات حكمة تعود إليه لا يستلزم أن يكون مستكمَلًا بغيره، لأن هذه الحكم هي صفاته.

وهذه الحكم كلها مرجعها إلى صفة المحبة، لأن الله يحب أسماءه وصفاته، ويحب ظهور آثارها وموجباتها في المخلوقات - كما تقدم (٢) -، وأفعاله التي تتضمن الحكمة - هي عن أسمائه وصفاته.

قال شيخ الإسلام : "وكل فاعل بالإرادة؛ فإرادته تستلزم محبة عامة لأجلها فعل، فالحب أصل وجود كل موجود، والرب تعالى يحب نفسه، ومن لوازم حبه نفسه أنها محبة مريدة لما يريد أن يفعله، وما أراد فعله فهو يريده لغاية يحبها، فالحب هو العلة الغائية التي لأجلها كان كل شيء" (٣).

لذلك كان الانحراف في فهم صفة المحبة، وعدم التفريق بينها والمشيئة هو أصل الضلال في هذا الباب، قال شيخ الإسلام : "فلو أثبتوا [أي الجهمية والمعتزلة] أنه سبحانه يحب ويفرح بحصول محبوبه - كما أخبر به الرسول -؛ تبين لهم حكمته، وتبين أيضًا أنه يفعل الأفعال لحكمة" (٤).

وأما الحكمة التي تعود إلى المخلوقين؛ فهي أثر تلك الحكمة العائدة إليه


(١) انظر: الحكمة والتعليل للشهري (١/ ٢٠٨).
(٢) انظر ما تقدم ص (٤٣٤).
(٣) النبوات (١/ ٣٧٢)، وانظر: جامع المسائل (٦/ ٢٠٨).
(٤) منهاج السنة (٥/ ٣٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>