الخامس: أن هؤلاء يجوزون على الرب سبحانه فعل كل ممكن، حتى الأمر بالكفر والشرك ونسخ التوحيد، فإذا جازت هذه المرادات من غير أن يكون في إرادتها نقص، فجواز غيرها من باب أولى، وعليه فلا يلزم من كون الحكمة مرادة له نقص.
السادس: أن انتفاء الحكمة في الفعل الاختياري من الحي العالم ممتنع - كما تقدم -، وإنما يتصور هذا في حق زائل العقل بنوم أو جنون أو العابث، والرب سبحانه منزه عن ذلك.
وأما الشبهة الثانية فجوابها من وجوه كذلك (١):
الأول: أن الحكمة يحذى بها حذو الفعل؛ فما جاز عليه جاز عليها، وما امتنع عليه امتنع عليها، فالفعل لا يخلو إما أن يمكن أن يكون الفعل قديمًا أو حادثًا، فإن أمكن أن يكون قديمًا؛ أمكن في الحكمة التي يكون الفعل لأجلها أن تكون كذلك، وإن كان حادثًا؛ كانت الحكمة كذلك.
الثاني: أن النفاة يقرون بقدم كونه مريدًا، ولا يلزم من هذا قدم الإرادة عندهم قدم المراد، فكذلك الحكمة لا يلزم من كونها قديمة قدم الفعل، إذ الباب واحد.
الثالث: أن أهل السنة يقولون: الله سبحانه يفعل لحكمة، وهذه الحكمة محبوبة له مرادة، ثم قد تكون مرادة لذاتها؛ فلا تسلسل، وإما أن تكون مرادة لغيرها، والمراد لغيره لا بد أن ينتهي إلى مراد لذاته قطعًا للتسلسل.
فالقول بتوقف العلة على علة أخرى ممنوع، إذ هو التسلسل الممتنع، وهو