للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن ليس فيها ما يدل على انتفاء قدرتهم واختيارهم، بل فيها ما يثبت ذلك، وهو إضافة الفعل إليهم، فأفعالهم مضافة إليهم اكتسابًا وفعلًا ومباشرة، ومضافة إلى الرب سبحانه خلقًا وتقديرًا.

وأما الدليل الثالث؛ فهو كذلك حق في نفسه، لكنه لا يدل على نفي قدرة العبد واختياره، بل يدل عليها، إذ فيه ثبوت كون العبد فاعلًا لفعله من صلاة وصيام وإيمان وكفر، وهذا كاف في الدلالة على المقصود.

وبالجملة فما يذكره الجبرية من أدلة على خلق أفعال العباد فهو حق، لكن إنما يتوجه على القدرية الذين ينفون خلق الرب سبحانه لأفعال العباد.

ثم القرآن دل في مواطن كثيرة على ثبوت قدرة العبد على فعله وثبوت اختياره - كما تقدم (١) -.

وأما الدليل الرابع؛ فقد جعل أصلًا للقول بالجبر (٢)، ولا يصح الاستدلال به على ذلك، فإنه خطاب للمؤمنين في وقعة بدر، فقوله لهم: ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ﴾ لأن الملائكة جنود الله كانت تقاتل معهم، فلم ينفرد المسلمون بقتلتهم بل قتلهم الملائكة.

وقوله لنبيه ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾ لأن الرمي المثبت غير الرمي المنفي؛ لأنه أثبت ونفى؛ والمثبت لا بد أن يكون غير المنفي، فإنه أثبت لنبيه رميًا بقوله: ﴿إِذْ رَمَيْتَ﴾، ونفى عنه رميًا بقوله: ﴿وَمَا رَمَيْتَ﴾، والرمي المثبت هو ما فعله النبي وهو حذف الحصى في وجوه


(١) انظر ما تقدم ص (٤٦٤) وما بعدها.
(٢) انظر: مدارج السالكين (٣/ ٤٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>