للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العباد أصلًا، لكونها - أي أفعال العباد - غير مخلوقة له سبحانه - بزعمهم -.

ولم أقف في كلام المعتزلة على استدلال لهم على ترادف الإرادة والمحبة على وجه الخصوص، وإنما توسعوا في الاستدلال على إرادة الرب سبحانه للطاعات بمعنى محبتها، وعدم إرادته للقبائح، بمعنى عدم محبتها، فقد ذكر عبد الجبار ثلاثة عشر دليلًا على ذلك تحت: "فصل في أنه تعالى يريد جميع ما أمر به ورغَّب فيه من العبادات، ولا يريد شيئًا من القبائح بل يكرهها" من المغني (١)، وهذه الأدلة متضمنة الدلالة على ترادف المحبة والإرادة.

وكذلك استدلوا على اشتراط الإرادة في الأمر (٢).

وهذا القدر من قول المعتزلة - أن الأمر مستلزم للمحبة - صحيح موافق لقول السلف، ومخالفتهم إنما هي في إنكار الإرادة الكونية المتعلقة بأفعال العباد، فالله عندهم لم يرد وقوع الإيمان ممن وقع منه على جهة الخلق والتكوين، ولم يرد خلافه لا على هذه الجهة ولا على جهة المحبة. وإنما ذهبوا إلى ذلك طردًا لأصلهم من أن الله سبحانه غير خالق لأفعال العباد، وقد تقدم في المبحث السابق إبطال هذا الأصل، وذلك متضمن لإبطال ما بني عليه من نفي الإرادة الكونية في أفعال العباد.

وينبغي التنبه على أن المعتزلة في إثباتهم للإرادة للرب سبحانه مخالفين لمذهب السلف، فإنهم يثبتون إرادة حادثة لا تقوم بالله سبحانه، بل في غير محل.

قال القاضي عبد الجبار: "واعلم أنه تعالى مريد عندنا بإرادة محدثة


(١) انظر: المغني في أبواب التوحيد والعدل (٦/ ٢١٨ - ٢٤٩).
(٢) انظر: آراء المعتزلة الأصولية دراسةً وتقويمًا (٢١٤ - ٢١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>