للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقابلهم الأشاعرة، فذهبوا إلى أن الأمر لا يستلزم الإرادة، وأن الله قد يأمر بما لا يحبه، وقد يحب ما لا يأمر به.

ففسروا الإرادة بالمحبة، لكنهم جعلوها كونية؛ إذ جعلوا المراد هو الموجود، وما لم يوجد فليس بمراد، بل التزموا أنه يريد القبائح والشرور؛ لأنه إذا كان مريدًا لكل حادث - والإرادة هي المحبة - فهو محب لكل حادث راضٍ به أيًّا كان.

وهذا القول - أن الله تعالى يحب الكفر، ويرضاه كفرًا معاقَبًا عليه - هو ما يطلقه بعض الأشعرية على العموم دون تفصيل.

ولهم مذهب ثان وهو المنع من إطلاق ذلك، لأن الكفر والفسوق والعصيان غير محبوبة لله سبحانه، والإرادة هي المحبة، ثم من هؤلاء من يجعل المحبة والرضا عبارة عن إنعامه سبحانه وإفضاله، ومنهم من يحمل المحبة والرضا على الإرادة، لكنه يقول: إذا تعلقت الإرادة بنعيم ينال عبدًا فإنها تسمى محبة ورضًا، وإذا تعلقت بنقمة تنال عبدًا فإنها تسمى سخطًا (١).

وتأولوا ما ورد من نصوص دالة على أن الله لا يحب الفساد ولا يرضى لعباده الكفر، بأن المعنى: لا يريد الفساد ولا يريد الكفر، وهذا إما أن يحمل على من لم يقع منه ذلك، أو يحمل على أنه لا يريده دينًا.

وقال الباقلاني: "واعلم أنه لا فرق بين الإرادة والمشيئة والاختيار والرضى والمحبة" (٢).


(١) انظر: الإرشاد (٢٣٨ - ٢٣٩).
(٢) الإنصاف (٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>