للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الدليل الثاني؛ فلا ريب أن الكافر الذي مات على الكفر كان مكلفًا بالإيمان، وأنه لم يطقه، فهو مكلف حقيقة بما لم يطقه، لكن ليس في هذا دلالة على مذهبهم من وجوه:

الأول: أن هذا الكافر كان قادرًا على الإيمان، إذ لو عجز لما كان مكلفًا، فمن هذه الحيثية لم يكلف ما لا يطيق، لكن من جهة كونه كان مشتغلًا بضد ما كلف به كان مكلفًا بما لم يطقه، يوضحه:

الثاني: أن ما لا يطاق له جانبان: كوني وشرعي، فالشرعي لم يكلف الله أحدًا ما لا يطيقه، أي ما يعجز عنه، وأما الكوني: فقد يكلف الله من علم أنه لن يفعل، لكن إطلاق ما لا يطاق عليه بدعة في الشرع (١).

الثالث: أن الفرق ثابت بين ما لا يطاق وبين ما لم يطق، فالأول راجع إلى الاستطاعة الشرعية، والثاني راجع إلى الاستطاعة الكونية المقارنة، وحقيقة البحث هي في الاستطاعة الشرعية لا الكونية، لأنهم يتكلمون فيها بجواز ووجوب ومنع.

وبهذا يتبين أن من وفق لمعرفة أن الاستطاعة متقدمة ومقارنة، وفق للصواب في التكليف بما لا يطاق.

وأما الدليل الثالث؛ فلا ريب أن أفعال العباد مخلوقة للرب سبحانه، وأن من لم يقع منه الفعل؛ فإنما لم يقع لعدم مشيئة الله وخلقه له، لكن من لم يشأ الله إيمانه ممن خاطبه بالإيمان لم يكلفه ما لا يطاق من جهة الوسع والآلة، وإن كان مكلفًا بما لا يطاق من جهة الاشتغال بالضد، لكن إطلاق ما لا يطاق عليه بدعة كما تقدم.


(١) انظر ما تقدم ص (٥٧٨ - ٥٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>