للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يطاق عليه بدعة، لكن المقصود أن الأدلة دلت كذلك على نفي الاستطاعة عمن اشتغل بضد ما أمر به وقت لزوم فعله (١)، فنفي المعتزلة لهذا بدعة وضلال.

وأما الدليل الثاني؛ فهو جارٍ على سَنَن المعتزلة الأعوج في إيجابهم على الله "رعاية مصالح شبهوا فيها الخالق بالمخلوق، وجعلوا له بعقولهم شريعة أوجبوا عليه فيها وحرموا وحجروا عليه" (٢).

وهذا باطل، بل لا يوجب العباد على ربهم شيئًا، بل هو سبحانه أوجب على نفسه ما أوجب من العدل وغيره تفضُّلًا منه سبحانه.

وقولهم: "تكليف ما لا يطاق قبيح" على الإطلاق غير صحيح، إذ منه ما هو واقع في حقيقة الأمر، كتكليف المشتغل بالضد بضده، فإنه غير مطيق لما كُلف به بمعنى غير مستطيع الاستطاعة المقارنة، على ما تقدم.

وأما الدليل الثالث؛ فصحيح لا غبار عليه، فالكافر لم يكلف بما لا يطيق من جهة الوسع والتمكن، إلا أنه مكلف بما لم يطقه لاشتغاله بضده، على ما تقدم.

والواقع أن قول المعتزلة في أن المستطيع لم يكلف ما لا يطيق صحيح لأنهم لا يثبتون الاستطاعة المقارنة، ويبقى عليهم نفيهم للاستطاعة المقارنة التي يترتب عليها عدم المنع من تكليف ما لا يطاق بمعنى عدم الاستطاعة الكونية.

ومن هنا يعلم أن ما نُسب إلى الماتريدية من موافقة المعتزلة في هذه المسألة (٣)


(١) انظر ما تقدم ص (٥٥٢ - ٥٥٣).
(٢) شفاء العليل (٢/ ٥٢٧).
(٣) انظر: الماتريدية دراسة وتقويمًا (٤٤٨)، ونقض عقائد الأشاعرة والماتريدية (٤٤٤)، والحسن والقبح بين المعتزلة وأهل السنة (رسالة مطبوعة على الآلة الكاتبة) (١١٤ - ١١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>