للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"والعقل الفعال فِعله العناية بالحيوان الناطق والتماس تبليغه أقصى مراتب الكمال الذي للإنسان أن يبلغه، وهو السعادة القصوى. . . والعقل الفعال هو الذي ينبغي أن يقال إنه الروح الأمين وروح القدس، ويسمى بأشباه هذين من الأسماء ورتبته تسمى الملكوت وأشباه ذلك من الأسماء" (١).

فأصل شبهتهم في ذلك قولهم بالفيض وصدوركل شيء عن الشيء الذي قبله دون إرادة واختيار، فالنار تحرق بطبعها والماء يروي بطبعه والإحراق والإرواء ضروريان لازمان لا يمكن تخلفهما، وقولهم بالاقتضاء الضروري كان نتيجة لنفيهم علم الله سبحانه بالجزئيات، وزعمهم بأن علمه كلي لا يتغير - كما تقدم -.

وقد فرق الفلاسفة بين الإنسان وسائر الموجودات في ذلك، قال ابن رشد: "جميع الموجودات تطلب غايتها بالحركة ونحوه، وهي الحركة التي تطلب بها غايتها التي من أجلها خلقت، وذلك بيِّن؛ أما جميع الموجودات فبالطبع، وأما الإنسان فبالإرادة" (٢).

ولا يعكر على هذا التقرير ما قاله الفارابي في "مقالة فيما يصح وما لا يصح من أحكام النجوم" (٣): "قد يظن بالأفعال والآثار الطبيعية أنها ضرورية كالإحراق في النار والترطيب في الماء والتبريد في الثلج، وليس الأمر كذلك، لكنها ممكنة على الأكثر؛ لأجل أن الفعل إنما يحصل باجتماع


(١) كتاب السياسة المدنية (٣٢).
(٢) تهافت التهافت (١١٥).
(٣) ضمن: رسالتان فلسفيتان (٥٢ - ٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>