معنيين: أحدهما: تهيؤ الفاعل للتأثير، والآخر تهيؤ المنفعل للقبول، فحيثما لم يجتمع المعنيان؛ لم يحصل فعل ولا أثر البتة، كما أن النار وإن كانت محرقة؛ فإنها متى ما لم تجد قابلًا متهيأً للاحتراق لم يحصل الاحتراق، وكذلك الأمر في سائر ما أشبههما، وكلما كان التهيؤ في الفاعل والقابل جميعًا أتم؛ كان الفعل أكمل، ولولا ما يعرض من التمنع في المنفعل لكانت الأفعال والآثار الطبيعية ضرورية".
وذلك لأن الخصومة مع الفلاسفة ليست في تأثير الأسباب بما أودعه الله سبحانه فيها من قوى وطبائع، فهذا شيء وافقوا فيه أهل السنة، وإنما في كون هذا التأثير من نفسها، وليس لمشيئة الله سبحانه فيها أثر، ومن هنا فارق قولُ المعتزلة قولَ الفلاسفة، فالمعتزلة يثبتون مشيئة الله سبحانه وخلقه - لما سوى أفعال العباد - كما سيأتي.
ووجه آخر وهو أن كون السبب مقتض لمسببه ضرورة لا ينافي في حقيقة الأمر اشتراط وجود المحل، فالقول إن الإحراق في النار ضروري لا ينافي أنه يلزم وجود ما تحرقه النار من خشب أو قطن ونحوه، وإنما ينافي تخلفَ الإحراق عند وجود المحل وانتفاء المانع كما تخلف الإحراق في قصة إبراهيم ﵇، فعلى تقريرهم أنه يجب أن تحرق النارُ إبراهيم، لأنهم لا يثبتون مشيئة الله سبحانه ولا إرادته ولا خلقه للإحراق، وعند أهل السنة جاز ذلك لتخلف الشرط الأصلي والسبب التام وهو مشيئة الله سبحانه.
والقول بالفيض وما بني عليه من الاقتضاء الضروري بين الأسباب والمسببات كلاهما باطل من كل وجه وهو مناف لأصل الدين ومضاد لربوبية الله سبحانه وشمول علمه وكونه الخالق لكل شيء وأنه لا شيء إلا بإرادته.