للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما المعتزلة؛ فمذهبهم في الأسباب وتأثيرها موافق - فيما ظهر لي - في الجملة لمذهب أهل السنة، فإنهم يقرون بما أودع الله من قوى وطبائع في الأشياء، فيقرُّون أن في النار قوة تحرق بها ما تلاقيه مما يصلح للإحراق، وأن في الطعام قوة الإشباع، وهكذا، وأن ذلك بمشيئة الله سبحانه وخلقه.

قال القاضي عبد الجبار: "السبب يوجب المسبب إذا احتمله المحل، ولا يوجب إذا لم يحتمله" (١).

وقال أيضًا: "إن الأصل في السبب أن يوجب المسبب إذا كان المحل محتملًا له، وإنما نعدل عن ذلك بدلالة" (٢).

ففي كلام القاضي أن للسبب شروطًا وموانع، وهذا - مع ما هو معروف من مذهبهم من إثبات مشيئة الله سبحانه وخلقه - يثبت تأثير السبب وينفي كونه علة تامة.

إلا أن مخالفة المعتزلة لأهل السنة في باب الأسباب إنما هي في جعلهم قدرة العبد ومشيئته علة تامة لفعله، وأنه لا مدخل لمشيئة الرب وخلقه في ذلك، ولم يجعلوا قدرة العبد ومشيئته أسبابًا من جملة أسباب تؤثر بمشيئة الله في إيجاد المسبب.

فمذهبهم في هذا مبني على مذهبهم في خلق الأفعال، وقد تقدم إبطاله


(١) المغني في أبواب التوحيد والعدل (٨/ ١٦٩).
(٢) المصدر السابق (٦/ ٨٥)، والإيجاب في كلامه هذا والذي سبقه، وكذا ما سيأتي في كلام الأشعري عنهم: المقصود به إثبات تأثير السبب في مقابل قول الأشاعرة النافين لذلك، وإلا فلا يوجد من المعتزلة من قال بأن السبب بمجرده موجب لحصول المسبب - فيما أعلم - والله أعلم، وقد سبقت الإشارة إلى مخالفة مذهبهم لمذهب الفلاسفة قريبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>