للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأسباب] الفاعل؟! وليس لهم دليل إلا مشاهدة حصول الاحتراق منذ ملاقاة النار، والمشاهدة تدل على الحصول عندها ولا تدل على الحصول بها، وأنه لا علة له سواها. . . فقد تبين أن الوجود عند الشيء لا يدل على أنه موجود به" (١).

وقال الجرجاني في تعريف السبب في الشرع: "عبارة عما يكون طريقًا للوصول إلى الحكم غير مؤثر فيه" (٢).

كما نقل اتفاق الأشاعرة على هذا، فقال: "فإن كثيرًا من الأسباب العادية كذلك مع الاتفاق على أنها غير مؤثرة أصلًا، ألا ترى أنا إذا علمنا ملاقاة النار للقطن؛ علمنا احتراقه وإن لم نعلم شيئا آخر غير الملاقاة، وإذا علمنا أن البدن الصحيح يتناول الغذاء الجيد؛ علمنا حصول الشبع وإن لم نعلم غير التناول، مع اتفاقنا على أن الاحتراق والشبع إنما يحصلان بفعل الله تعالى ابتداءً من أن يكون (٣) للملاقاة والتناول مدخل فيهما بالتأثير، وأنت خبير بأن هذا الاتفاق إنما هو بين الأشاعرة" (٤).

وقال السنوسي: "ومنها تعلم أن اختياره لإيجاده ممكنًا مع ممكن آخر كاختياره جل وعلا إيجاد الشبع مع الأكل، والري مع الشرب، والإحراق مع النار، وتفريق الأجزاء مثلًا مع حد السيف وحز العضو، والمقدور مع القدرة الحادثة ونحو ذلك مما لا ينحصر؛ لا يدل جميع ذلك على أن لتلك الأمور المقارنة تأثيرًا فيما اقترنت به لا استقلالًا ولا معاونة، بل


(١) تهافت الفلاسفة (٢٤٠ - ٢٤١).
(٢) التعريفات (١٢١).
(٣) كذا في المطبوع، ولعل الصواب: "من غير أن يكون".
(٤) شرح المواقف (٢/ ٣٠ - ٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>